بينما أكدت مصادر وجود قلق واضح بين الأوساط الدبلوماسية والسفارات والقنصليات المهمة في بغداد وأربيل، واتصالات دولية مكثفة مع الحكومة المركزية والإقليم الكردي، لم يحصل تصادم عسكري، حتى الآن، على خطوط التماس القومي شمالاً قرب كركوك الغنية بالنفط، حيث تنتشر حشود عسكرية كبيرة للجيش العراقي وبعض الفصائل الشيعية المسلحة، التي فرغت لتوها من طرد تنظيم داعش نهائياً في المنطقة الشمالية.

واندلعت الأزمة حين أجرى الأكراد استفتاءً صوتوا خلاله لمصلحة حلم الاستقلال التاريخي وإعلان الدولة، واعتبرت بغداد ذلك غير دستوري، وقالت إنها تريد استعادة الأراضي وحقول النفط الكبيرة التي سيطر عليها الأكراد، خلال الأعوام الماضية، أثناء الحرب مع «داعش».

Ad

وبدا من تصريحات كبار القادة الأكراد قلقهم البالغ من حركة الجيش العراقي، الذي يقترب لأول مرة من خطوط قوات البيشمركة الكردية في محور كركوك، ويعود القلق الأساسي إلى تفوق واضح في الإعداد والتسليح لمصلحة بغداد، من شأنه أن يجعل الأكراد يتكبدون خسارة غير متوقعة، لو نشب نزاع عسكري.

وذكرت مصادر أن رئيس الإقليم مسعود البارزاني «أبلغ سفارات معظم الدول بأن كركوك تتعرض لهجوم»، مشيرة إلى أن مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي «يحاول منذ ليل الخميس، تهدئة السفراء الذين يلحون لمعرفة موقف بغداد الحقيقي».

وفي محاولة لتجنب التصادم العسكري تكشف حجم المخاوف الكردية، أخلت قوات البيشمركة، أمس، شريطاً بطول 18 كم جنوب كركوك المتنازع عليها طوال قرن بين العرب والأكراد والتركمان، بينما أطلق القادة الأكراد مناشدات إلى المرجعيات الدينية في النجف للتدخل، منعاً لنشوب نزاع. وهي تصريحات وبيانات كشفت في الوقت نفسه حجم الانقسام في مواقف الأحزاب الكردية، الذي يحاول العبادي استغلاله، وإضعاف موقف البارزاني حليفه التقليدي، الذي وجد نفسه في مواجهة بدت مفاجئة، معه.

وخلال حرب رهيبة مع «داعش»، منذ انهيار الجيش العراقي صيف 2014، نجحت المؤسسة العسكرية العراقية في إعادة بناء فرقها وقوات النخبة، وتلقت دعماً استثنائياً من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، في التسليح والتدريب، وطورت أسلحتها الثقيلة، وباتت تمتلك سلاح جو متوسط القوة، لأول مرة منذ سقوط صدام حسين، مما يجعل من الصعب على الأكراد الدخول في مواجهة عسكرية متكافئة.

ورغم أن هذا التفوق قد يغري جنرالات بغداد بخوض مغامرة، ولو محدودة، قد تمهد لحوار بتنازلات كردية، إلا أن الخبراء بتاريخ النزاع المسلح الكردي يذكّرون بضعف خبرة الجيش العراقي في معارك الجبال، التي يتقنها الأكراد بمهارة فائقة، وفنون حركات التمرد داخل المدن ذات الأغلبية الكردية، التي يمكن أن توجع حكومة العراق.

ويراهن البارزاني حتى الآن على أن واشنطن لن تسمح لبغداد بالتمادي في اللجوء لخيار الحرب، كما يذكر المراقبون أن العبادي يريد التفرغ من كلفة هائلة لأشرس المعارك التي خاضها ضد «داعش»، وسط أزمة مالية خانقة إثر تراجع أسعار النفط، إلا أن الموقفين التركي والإيراني ضد أربيل لن يسهلا إطلاق حوار يخفف درجة التوتر العسكري حتى الآن.