كنا نجاري أوروبا تكنولوجيا وطبيا، فكيف تخلفنا في هذا السباق؟ آل عثمان حرّموا الطابعة، تلك الخلافة العظيمة التي نعمنا في ظلها برفعة بيضة الإسلام وفتح الأمصار وعزة المسلمين أمام الروم، ارتكبت "غلطة" قصدت منها الخير. فحينما ابتكر يوهان غوتنبرغ طابعة ذات قوة إنتاجية عالية سنة ١٤٥٥، انطلقت قارة أوروبا، ضحية العصور المظلمة التي تنبذ النظافة وتمارس التطرف الديني والإرهاب الإقطاعي، إلى فضاء علمي لم تدركه الخلافات الإسلامية بسبب طوفان المنشورات، الذي طم عته خزعبلاتها، لذا أتساءل: أيعقل أن يكون سبب هذا كله رغدها الثقافي؟

لفهم خطورة ابتكار غوتنبرغ، يكفينا أن نقول إن المجتمع الذي يعلم كل شيء، ستقرأ مخاخ أجياله كل شيء، أما المجتمع الذي تطغى فيه الثقافة الشفوية فمصير معلوماته التلاشي كما تلاشت كل آثار أقدام العرب من الصحاري، بخلاف الفراعنة والآزتك الذين نقشوا حتى النكات على جدرانهم وتوابيتهم، ولكن بعد ٣٣ سنة من ابتكار غوتنبرغ، أحل العثمانيون الطباعة!

Ad

فبعد فرمان التحريم، وصل طبيب أوروبي حديث الإسلام للسلطان بايزيد، ليتوسل إليه كي يحلل الطباعة، فالكل في أوروبا صار بروفيسوراً مقارنة بالمسلمين، فأجازها بايزيد، فتشدد شيوخ السلطان، فاشترط ألا تكون إلا لليهود والأرمن النصارى بلغاتهم وباقي غير المسلمين، مع تجريم طباعة أي شيء بالعربية، فأحل طباعة كتب "علوم الدنيا" باللغات غير المقدسة وحرم على المسلم الاستفادة منها، خوفا على المؤمنين من تطبيق العبارة الكئيبة: "من كان شيخه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه"، وكأن المجتمعات المثقفة لا تتفجر منها المنتديات الثقافية للمناظرات، كما أعلن السلطان إعدام أي مواطن يطبع بالعربية توقيرا لها، بل إعدام أي مشترٍ مسلم لأي ورقة مطبوعة، وللأسف، في التاريخ لا يصلح المثل الشعبي "اللي فات مات".

وبعد فترة جمود طويلة جدا، سمحوا بطبع كتب معينة لاستعمال الشيخ المعين من الخلافة، لكي "يصفي" مفاهيمها للمتلقي، فغلبت الطبيعة العسكرية على تعليمنا حيث يمجد الطالب الببغاء على المبدع، مع مدحه إذا حفظ السطور المكتوبة التي أول من ينساها كاتبها، كما قال الدكتور علي الطنطاوي رحمه الله.

إذا كانت أتفه غلطة بالسيارة، قد تنهي مستقبل أسرة، فما بالنا بقيادة أمة؟ سباقنا مع الغرب غدا سباقاً بين جارٍ وزاحف، الآن نفهم كيف بدأ التآمر العبقري وسُرطنت الخلافة بمفاهيم الجمهورية التركية من غير مسلميها بالداخل، وفتنة القومية بين العرب والترك، تمهيدا لسايكس بيكو، فأمست الأمة بحالة مومياء ثقافية إلى يومنا هذا... فهل الحل تقليد الغرب؟

إن قبيلتي "الأنغلو" و"الساكسون" الجرمانيتين بعد استئجار خدماتهما القتالية من الامبروطورية الرومانية لغزو الجزيرة المسماة ببريطانيا لقتل السكان الأصليين، اتحدتا لتكون "إنغلس" وتغدرا بالرومانية، وتستحوذ على الجزيرة. شرفوا اسمهم أولئك "الإنكليز" وارتفعوا عن مستوى المرتزقة بعدما ألزم قادة عساكرهم بالقراءة النقدية، عبر فرض الكتابة الإجبارية بعد القراءة النقدية لأي كتاب من أي مجال، وعلى ذلك فإنني أرى الحل هو استبدال الربيع العربي، بظاهرة #الربيع_العربي_الثقافي. وتعزيز فهم أن الإسلام جعل عبادة الله بالتعليم والتعلم، سواء بطابعة ألمانية او بتويتر!