الاقتصاد الهندي الذي كان يعتبر نقطة مضيئة على الصعيد العالمي هبط أخيراً الى الحضيض، وانخفض النمو الاقتصادي في ذلك البلد خلال أول ستة أشهر من هذه السنة من 7 إلى 5 في المئة، وهي أبطأ وتيرة له في ثلاث سنوات ويقول محللون إن الطريق الى التعافي صعب وقاس.

وبحسب موهان غوروسوامي، وهو رئيس مركز سياسة البدائل في نيودلهي ومسؤول سابق في وزارة المالية الهندية: "نحن في مسار هابط الآن".

Ad

وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وصل الى السلطة في سنة 2014 وقد وعد يومها بنقل اقتصاد بلاده الى مستويات عالية جديدة، ولكن لا يزال يتعين تحقيق العديد من الاصلاحات كما أن البعض من التغييرات التي تم اقرارها قد ألحقت الضرر بالنمو الاقتصادي في البلاد.

وفي خطاب له في وقت سابق، دافع رئيس الوزراء الهندي عن أداء حكومته قائلاً إنها قدمت مساعدة قيمة الى الكثير من الصناعات، وقال مودي: "صحيح أن البعض من الخفض قد حدث في ميدان النمو الاقتصادي ولكن الصحيح أيضاً أن الحكومة ملتزمة تماماً بالسير في طريق معاكس، كما أن أساسياتنا قوية".

الهزات المضاعفة

لا تزال الهند في طريق العودة من هزتين حدثتا خلال الاثني عشر شهراً الماضية، وتتمثلان في قرار الحظر الذي أصدره رئيس الوزراء في شهر نوفمبر الماضي، والذي شمل 86 في المئة من الأموال النقدية للبلاد، إلى جانب عملية الاصلاح الشامل لنظام الضرائب التي استهدفت تحويل ولايات الهند الـ 29 الى سوق واحدة.

وقال غوروسوامي إن الحظر على النقد "كان ضربة قوية عندما بدأ الاقتصاد يظهر عند نقطة انعطاف في السنة الماضية كما بدأ الهبوط بالتراجع".

ومن جهة اخرى، فإن برنامج اصلاح رئيس الوزراء مودي الذي تمثل في فرض ضريبة على السلع والخدمات الوطنية وبدأ تنفيذه في شهر يوليو الماضي، اعتبر خطوة ايجابية، لأنه يجب أن يسهم في تبسيط أعمال الشركات في الأجل الطويل، ولكن تطبيقه أفضى الى حدوث اضطرابات رئيسية.

وقال شيلش كومار وهو محلل لدى مجموعة أوراسيا في جنوب آسيا "أخشى أن عدم فهم الناس لكيفية التعامل مع نظام الضرائب سوف يؤدي الى توقف تعاملهم بعضهم مع البعض الآخر، وقد شاهدنا صورة عن ذلك عندما لم تعرف الشركات كيف تتصرف".

إلى ذلك، قالت الحكومة إنها تتوقع حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي ولكن يبدو أنها لم تدرك مدى الهبوط الحاد الذي أدهشها.

ويتملك القلق المؤسسات المالية من احتمال سعي الاقتصاد الى استعادة زخمه في الأجل القريب، كما أن البنك المركزي الهندي قلص توقعاته المتعلقة بالنمو الاقتصادي بالنسبة الى السنة المالية الحالية من 7.3 في المئة الى 6.7 في المئة.

إثارة الشكوك

وقال حاكم بنك الاحتياطي في الهند يورجيت باتل إن "تنفيذ برنامج الاصلاح الضريبي يبدو أنه قد أثار درجة من الشك بالنسبة الى البعض بشأن الاحتمالات في الأجل القصير ".

وفي غضون ذلك، كان بنك الدولة الهندي المملوك للحكومة أكثر صراحة وقال في تقرير له في الشهر الماضي إن التباطؤ " ليس قصيراً الأجل في طبيعته وليس عابراً " على أي حال.

ويشكك محللون ورجال أعمال وحتى أعضاء في حزب رئيس الوزراء في طريقة قيادته للنشاط الاقتصادي ويرجع ذلك ليس الى الغليان الذي أحدثته تغييراته بل الى الاصلاحات التي لم تتحقق أيضاً.

وقال محللون لدى "كابيتال ايكونوميكس" إن " في قمة الأولويات الآن قضية دفع الخطوات الرامية الى تسهيل قوانين الاستحواذ على الأراضي وتحرير سوق العمل، ولكن لا توجد مؤشرات واضحة حتى الآن على أن لدى رئيس الوزراء القناعة من أجل المضي قدماً في الاصلاحات الضرورية التي لا تتمتع بشعبية ".

وبحسب معلومات رسمية، فقد كانت هناك دعوات الى اصلاح النظام المصرفي وحوالي 12 في المئة من اجمالي القروض أصبحت معدومة.

وقد شجب ياشونت سنها وهو وزير مالية سابق وعضو بارز في حزب رئيس الوزراء مودي "الفوضى" التي تسود الاقتصاد الهندي في الوقت الراهن وقال إن " الهبوط الاضطراري يبدو حتمياً ".

حظر اللحوم والجعة

وتلحق القومية الهندوسية المتصاعدة التي يدعو اليها حزب مودي اليميني الضرر أيضاً ببعض أجزاء الاقتصاد الهندي.

وعلى سبيل المثال، فقد حظرت حكومة نيودلهي في شهر مايو الماضي بيع الأبقار التي تعتبر مقدسة لدى الأكثرية الهندوسية في البلاد اذا كانت بهدف الذبح، وهو ما أفضى الى تجميد صناعة اللحوم في الهند.

وبينما تم تعليق الحظر من قبل المحكمة العليا في البلاد في شهر يوليو الماضي فإن التشويش في السياسة قد أفضى الى تأثيرات سيئة، خاصة أن الهند تصدر كميات كبيرة من تلك اللحوم وقد هبطت هذه الصادرات في هذه السنة، بحسب مصادر اعلامية محلية.

وقد تحولت المواشي التي كانت توفر مصدراً حيوياً لدخل اضافي بالنسبة الى الملايين من فقراء الهند في المناطق الريفية من البلاد الى أعباء مالية لأن المزارعين يخشون من أنهم لن يتمكنوا من بيعها الآن، بحسب غوروسوامي.

كما أن المحكمة العليا في الهند وجهت ضربة اخرى الى الاقتصاد في شهر أبريل الماضي عندما حظرت بيع الكحول ضمن 500 متر من الطرقات العامة، ويقدر بعض الخبراء خسارة صناعة الضيافة نتيجة لذلك بحوالي 10 مليارات دولار.

وعلى الرغم من أن المحكمة خففت القيود في شهر أغسطس الماضي فإن العديد من العاملين في هذه الصناعة يقولون إنهم خسروا في الأساس الملايين من الدولارات، وتقول شركة دياغيو التي تبيع عدة ماركات في هذا الحقل إن حظر الهند سوف يلحق الضرر بنمو المبيعات.

وقال السيناتور بوب كوركر وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة إن "مدى المجتمع المدني في الهند يستمر في الانكماش مع صعود الوطنية الهندوسية".

كما أعرب كوركر الذي كان يتحدث خلال جلسة استماع لترشيح سفير أميركي جديد الى نيودلهي عن خيبة أمله من وضع الاقتصاد في الهند، وقال إنه يشعر باحباط بشكل خاص نتيجة الوتيرة البطيئة للاصلاحات في الهند في الميدان الاقتصادي.

ملايين الوظائف

ويواجه رئيس الوزراء الهندي تحديات صعبة في قيادة السفينة، ويتمثل التحدي الأكبر – بحسب الخبراء – في توفير فرص العمل التي وعد بها الشريحة الواسعة من شبان الهند، وتجدر الاشارة الى أن حوالي 12 مليوناً من الهنود يدخلون سن العمل في كل سنة ولكنهم يجدون صعوبة في الحصول على وظائف.

وكتب روشير شارما، وهو كبير الاستراتيجيين العالميين لدى بنك مورغان ستانلي في صحيفة التايمز أوف انديا في الأسبوع الماضي أن إن "المعلومات الضعيفة تجعل من الصعب تحديد رقم حول فرص العمل".

ويذكر أن أكثر من 1.5 مليون مواطن هندي فقدوا وظائفهم خلال النصف الأول من هذه السنة وذلك بحسب دراسة صدرت عن مركز مراقبة الاقتصاد الهندي كما أن معدلات البطالة تستمر في الازدياد.