شكل الملف النووي جانبا بارزا من المخاوف الكويتية والخليجية إزاء السياسات الإيرانية، وكان له بالطبع تأثيره على الدبلوماسية الكويتية، ويقول د. أسيري إن الدبلوماسية الكويتية "لعبت دورا مهما في أزمة البرنامج النووي بين إيران والمجتمع الدولي".

ويضيف أن الدور الكويتي كان "في تأكيد أهمية الحوار بدلا من المواجهة، محذرة من خطورة أي إجراء عسكري ضد إيران، ولعبت الدبلوماسية الكويية دورا مهما في حث الجانب الإيراني على عدم التصعيد، كما تمثل أحد ثوابت السياسة الخارجية- الكويتية- في هذا الشأن في التأكيد والمطالبة بشرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، وتأكيد ضرورة تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بصورة كاملة".

Ad

ويشير د. أسيري إلى أن إيران من جانبها "عملت على طمأنة الكويت ودول الخليج بشكل عام فيما يتعلق بتطبيق برنامجها النووي، وأنه لا يشكل تهديدا لدول المنطقة، بل على العكس، وأنه موجود للأغراض السلمية ويتفق مع القواعد والقوانين الدولية".

ويؤكد الباحث مخاوف الكويت المتعلقة بالمخاطر البيئية واحتمالات التسرب الإشعاعي من مفاعل بوشهر، الذي يقع على مبعدة 281كم فقط، مما قد يضر بالكويت وبقية الدول الخليجية، وبخاصة أنه مشيد في منطقة زلازل إلى جانب المخاوف من تسرب النفايات النووية إلى مياه الخليج "حيث تشير المصادر إلى أن أغلب التيارات البحرية السفلية تجري باتجاه الكويت في أغلب أيام السنة". (د. أسيري، ص254).

وهو ما يؤكده الباحث سعد مجبل الهبيدة في رسالة ماجستير غير منشورة بعنوان "البرنامج النووي الإيراني وأثره على توجهات السياسة الخارجية الكويتية للفترة من (2003-2012)، جامعة الشرق الأوسط، بيروت.

ومع توقيع إيران للاتفاق النووي مع مجموعة 5+1، يضيف الباحث، "قام أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بتهنئة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي والرئيس حسن روحاني، متمنيا للجمهورية الإسلامية الإيرانية وشعبها الصديق كل الرقي والازدهار وللعلاقات التاريخية بين البلدين الصديقين المزيد من التطور والنماء".

تسبب المفاعل النووي الإيراني منذ أن بدأ إنشاؤه، ومشاكل تخصيب اليورانيوم وعموم الملف النووي بعد ذلك في قلق واسع داخل المنطقة الخليجية التي تعتمد حتى في توفير المياه العذبة على تقطير مياه البحر، ومما زاد من مخاوفها لجوء المصادر الإيرانية إلى عدم الشفافية في الإعلان عن تفاصيل مشاريعها الذرية، وصار من المقبول كويتيا وعربيا المطالبة بإنشاء مفاعلات ذرية لتوليد الطاقة حرصا على عدم التخلف في هذا المجال.

وفي مقابلة صحافية مع الباحث في مجال الأمن الخليجي، د. ظافر محمد العجمي، طالب د. العجمي مجلس الأمة الكويتي بتشريع امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، "رغم أن وجود مثل هذا المفاعل سيرفع قيمة الفاتورة الدفاعية في الكويت، بل فاتورة الأمن الداخلي أيضا، وسوف تكون لدينا نقطة ضعف جديدة قد يتم ابتزازنا بها كمصافي الشعيبة سابقا". وأضاف "أنه لا يمكن أن ننكر أن ضرورات الأمن القومي صارت تستدعي الاحتماء بمفاعل نووي سلمي". (الوطن 4/9/2010).

ونقل د. رضوان السيد في مقال له أن "فريدون عباسي" مدير المنظمة الإيرانية للطاقة النووية، قال: "إن من فوائد الملف النووي الإيراني على دول الخليج ووجود مفاعل بوشهر على مقربة منها، إقبال تلك الدول على اقتناء أحدث أجهزة قياس التلوث، فلولا مفاعل بوشهر لما كان الخليجيون توجهوا إلى هذه العلوم". (الشرق الأوسط، 19/4/2013).

وتغلب المجاملة وتقديم حسن النية وتمني قلة الضرر على تحليل د. أسيري في بحثه بشأن "الإدراك المتبادل- بين إيران والكويت- للأهمية الاستراتيجية لكل طرف"، بمعنى مدى تفهم ومراعاة وتقدير كل منهما لمصالح الطرف الآخر، فالواقع أن الإدارة الإيرانية، لمصالح عقائدية واستراتيجية، لا تفسح المجال لأجهزتها الدبلوماسية بأن تدير سياسة إيران وعلاقاتها الخارجية وفق الأسس القانونية الدولية، ووفق خبرة إيران الدبلوماسية العريقة. وتظهر قضية التجسس على دولة صديقة لإيران كالكويت، والتي دان فيها القضاء الكويتي إيران، مدى التخبط بين الأجهزة الإيرانية وربما التقاطع بين الدبلوماسية والأيديولوجيا، في هذا المجال.

ورغم ذلك حاول الدبلوماسيون الإيرانيون تجاوز المشاكل، وقد أكد السفير الإيراني لدى الكويت د.علي رضا عنايتي رغبة بلاده في تقوية وتطوير علاقتها مع دول الجوار، وقال مشيدا بالكويت "إن زيارة الرئيس حسن روحاني أخيرا إلى عمان والكويت أكبر دليل على ذلك، حيث دفعت هذه الزيارة بمستوى العلاقات مع الكويت، وهي نعم الجار"، مشددا على "حاجة الإقليم إلى الحوار، الذي يعتبر استحقاقا على جميع الدول"، مبديا استعداد طهران "للاستماع إلى وجهات نظر الجيران". (القبس، 16/4/2017).

ويؤكد د. أسيري وجود اهتمام بين البلدين في مجال "التنسيق الأمني في ظل الجوار الجغرافي"، مثل الزيارات المتبادلة ذات الطبيعة الأمنية. ومن نماذج هذا الاهتمام تبادل زيارات المسؤولين الأمنيين لبحث مكافحة تهريب المخدرات وتوقيع الاتفاقيات في هذا المجال، وكذلك في مجال التعاون الدفاعي بين الدولتين.

وتعد المشاكل الإيرانية-الخليجية عموما من مصادر تأزم علاقات إيران مع الكويت ودول خليجية أخرى. يقول د. أسيري: "في 5 يناير 2016 استدعت الكويت سفيرها لدى إيران وذلك في ظل التوتر بين السعودية وإيران بعد إعدام المملكة لرجل الدين نمر النمر، وما أعقب ذلك من اعتداءات قام بها متظاهرون باقتحام سفارة المملكة العربية السعودية والاعتداء على قنصليتها العامة في مشهد وممارسة التخريب وإضرام النيران فيهما. وقد أكدت الخارجية الكويتية أن ما حدث يعد خرقا صارخا للأعراف والاتفاقيات الدولية وإخلالا جسيما بالتزامات إيران الدولية بأمن البعثات الدبلوماسية وسلامة طواقمها".

ويضيف محللا: "ويلاحظ أن الدبلوماسية الكويتية لم تقف عند هذا الحد بل مارست دورا في التوسط بهدف تقريب وجهات النظر بين الطرفين، حيث حمل نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الكويتي محمد الخالد رسائل من أمير الكويت إلى الدول الخليجية تتعلق برغبة إيران في طي صفحة الخلاف وفتح صفحة جديدة من العلاقات مع الدول الخليجية واعتماد الحوار آلية لحل الخلافات العالقة، وقد جاء هذا التحرك الكويتي بناء على طلب من الجانب الإيراني وذلك لإدراك طهران أهمية الدور والثقل السياسي الكويتي للقيام بهذا الدور، خاصة أنه منذ بدء الأزمة توالت عروض الوساطة، حيث عرضت روسيا ثم تركيا كما عرض العراق وكذلك عمان القيام بهذا الدور".

ولا توقف خطوات التوسط الكويتية أو غيرها التصريحات المتشددة فنرى "القبس" في 16/5/2017 تشير إلى أن الكويت "جددت وقوفها مع السعودية إزاء التهديدات الإيرانية المتكررة، ووصف نائب وزير الخارجية خالد الجارالله تلك التهديدات بأنها خروج عن المألوف، وهي مرفوضة جملة وتفصيلا"، ومما يتسبب في استمرار الاختلاف الدبلوماسي والأمني بين الجمهورية الإيرانية ودولة الكويت، ويحد من تطابق وجهات نظرهما "وجود تباين بين الدولتين فيما يتعلق بمفهوم أمن الخليج، حيث يقوم التصور الإيراني على رفض أي وجود لقوات أجنبية في المنطقة، في حين ترى الكويت أهمية وجود قوات أجنبية كعنصر موازنة لاستقرار الأنظمة الخليجية وبقائها". (ص257)

وقد نتساءل هنا هل بذلت إيران منذ عام 1979 أي جهد لتوطيد ثقة الدول الخليجية والعربية بسياساتها؟ وهل بادرت حتى إلى الاعتراف باتفاقية "دول مجلس التعاون" كواقع سياسي وبناء جسور الثقة مع هذه الدول... كما فعلت تركيا مثلا؟