تضع الأزمة الكتالونية الاتحاد الأوروبي أمام معضلة غير مسبوقة، فقد انضمت إسبانيا إلى المشروع الأوروبي عام 1986، واعتُبرت عملية تبنيها الديمقراطية طوال عقود نموذجية، لكن يبدو أن القيادة الوطنية الكتالونية ستندفع نحو ما قد يكون إعلان استقلال أحادي الطرف في الأيام المقبلة، وبالمقابل كان للملك الحالي فيليب إطلالة على شاشات التلفزيون، فهل ينجح في حشد الدعم بغية تفادي المواجهة الكاملة في إسبانيا؟

قد تخال الخيار الأفضل تدخل الاتحاد الأوروبي، لكن الدعوات المطالبة بتأدية دور الوسيط بين مدريد وبرشلونة لم تلقَ أي جواب، علاوة على ذلك يُتهم الاتحاد بتواطئه في وجه ما يصفه بعض الناشطين الكتالونيين بـ"قمع" الدولة الذي يحمل أصداء عهد فرانكو. فهل هذا منصف؟

Ad

لطالما أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه حيال القضايا الانفصالية داخل دوله الأعضاء، ولا يملك أي آلية لحل خلافات من هذا النوع.

فالمفوضية الأوروبية شددت على أن التصويت الكتالوني "غير قانوني" وأن هذه المسألة "شأن داخلي إسباني"، وعلى غرار موقفها من قضية اسكتلندا، أوضحت أن كتالونيا لن تعود جزءاً من الاتحاد الأوروبي في حال انفصلت عن إسبانيا، ولن تتوافر لها أي وسيلة للعودة إليه تلقائياً.

يقودنا هذا إلى مسألة الحقوق الأساسية، وفي هذا الشأن يبدو تصريح المفوضية الأوروبية بأن "استعمال العنف كأداة في السياسة لا يجوز" خجولاً على أقل تقدير، ولكن مهما كانت الحسابات السياسية فإن المفوضية الأوروبية تفتقر إلى الأدوات الضرورية لتحدد ما إذا كانت حكومة ما قد انتهكت حقوق الإنسان، وقد شكّلت هذه الحقوق جزءاً لا يتجزأ من المؤتمر الأوروبي لحقوق الإنسان لعام 1950. كذلك تُعتبر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مسؤولة عن صون هذه الحقوق، التي يراقبها أيضاً مجلس أوروبا. علاوة على ذلك لا تخلو مقارنة قضية كتالونيا ببولندا وهنغاريا من المخاطر. فقد عمل رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان والحكومة البولندية على تقويض الضوابط والتوازنات الديمقراطية، وكبحَا حرية الإعلام، وهددَا استقلال القضاء. رغم ذلك استغرق تصدي الاتحاد الأوروبي لزعزعة بولندا وهنغاريا حكم القانون وقتاً طويلاً.

قد تتدهور الأزمة الكتالونية إلى حد يدفع بالاتحاد الأوروبي إلى التخلي عن حذره، لكنه يجد نفسه راهناً في مأزق ويأمل أن تنجح تسوية ما، إلا أن المشاهد القوية في برشلونة تجعل هذا الأمل يبدو ضعيفاً، فالاتحاد الأوروبي بُني على نظام يقوم على قواعد، ويعتقد قادته أن من الضروري التمسك بهذه القواعد إذا أرادوا لهذه الكتلة الاستمرار في عالم لا يمكن توقعه ويحفل بالشعبوية. ويعني الالتزام الصارم بالقانون والمعاهدات تفادي إرساء سابقة قد تؤدي إلى فشل.

تبنى الاتحاد الأوروبي هدف التصدي للقومية وانعدام الليبرالية المتفاقمين، إلا أنه يصدم بعقبات كبيرة، فقد كشفت الأزمة الكتالونية حدود هذا الاتحاد والصعوبة التي يواجهها في سعيه لإفهام مواطنيه كيفية عمله، ولا شك أن هذه الأزمة ستشكل اختباراً مهماً لأوروبا كما للديمقراطية الإسبانية.

* ناتالي نوغايريد

* «الغارديان»