"لو كان ذلك شيئا متوقعا لغسلت شعري هذا الصباح"! كانت تلك ردة فعل كازو ايشيغورو، لفوزه بجائزة نوبل للآداب 2017. الجائزة كانت مفاجأة، ليس للعديد من المتابعين، لكنها مفاجأة له هو أيضا. كان الرجل متواضعا تملؤه الدهشة، ويعتقد أنه لم يقدم أعمالا كبيرة تستحق جائزة كبيرة كهذه. كانت الأسماء التي رُشحت للجائزة تفوقه في العمل الأدبي، وهي أسماء يتكرر ترشيحها كل عام، ليأتي رجل من بعيد ويخطف الجائزة، تاركا الذهول على الوجوه.

تعرفت إلى عمل كازو ايشيغورو (بقايا يوم) في مقرر روايات عالمية عام 2004، وكانت الرواية نالت شهرتها، بعد فوزها بجائزة المان بوكر عام 1989. كانت الرواية ثقيلة سرديا، وكأنها مركبة ومصفوفة بلغة جافة يصعب أن تجد فيها جملة تثيرك. لم تساعد أحداث الرواية التي تناولت سيرة حياة كبير خدم أحد القصور المهمة في بريطانيا أن تتجاوز الشخصية الرئيسة ومحيطها الخاص، فجاءت لغتها مقتصدة مفتعلة أحيانا لا تتجاوز وظيفتها المحدودة في رسم شخصيتها. وربما كان يرى أن شخصيته الهامشية التي حاول من خلالها الدخول إلى عالمه الغربي هي انعكاس لشخصية الطفل الياباني الذي دخل العالم الغربي وأصبح أحد أفراده دون أن يفهمه جيدا.

Ad

ايشيغورو ابن بلد تعرَّض لقصف غربي بغيض بالقنابل النووية، وهو يمثل "ستيفنس"، كبير الخدم الذي أوكل كل إخلاصه وتفانيه لشخص اللورد وللقادم الأميركي الجديد الذي احتل القصر فيما بعد، لكنه أوكل أيضا هويته لهذين الشخصين، رغم تناقضهما السياسي وتاريخهما المتباين.

لم تكن فكرة الرواية الرائعة دون شك تجد تقنية روائية أو لغة مشبعة بالفن القصصي لتخدمها، فجاءت رتيبة ومملة في كثير من الأحيان. هذه الرواية التي لا تراهن على إكمالها إلا لتجاوز مقرر المادة.

كانت الفرصة الثانية لدخول عالم ايشيغورو الروائي، من خلال مشاهدة الفيلم الذي حمل اسم الرواية، وقام ببطولته أنتوني هوبكنز وإيما تومبسون ومجموعة كبيرة من عمالقة السينما، لكن الفيلم لم يكن أقل برودا ومللا من الرواية. حاول المخرج أن يعتمد على أهم الأحداث الروائية وتطويعها للسينما، لكنها جاءت أحداثا مغرقة في العادية، فشلت حتى في إبراز الهدف الأساس من الرواية.

ليس الموضوع الرئيس هنا عن استحقاق ايشيغورو للجائزة من عدمه، فهذا أمر مثير للجدل دائما، وهو جدل طبيعي يحدث دائما بين النقاد والروائيين. لكن الناقد والمتابع للعمل الأدبي العالمي يعمد إلى مقارنة الأعمال التي يتابعها، ويقارن هذه الأعمال، بعيدا عن التعصب لروائي دون آخر.

جائزة نوبل لا تمنح لرواية بعينها، كما هي البوكر، هي جائزة تتويج للمشروع الأدبي خلال مسيرة الكاتب، ومقدرة الروائي على الإضافة لهذا الفن، سواء شعرا أو رواية. تلك الإضافة لا تنطبق على ايشيغورو، مقارنة بالياباني موراكامي، أو مارجريت أيتوود. وتبرير اللجنة بأن ايشيغورو مزج بين جين أيستون وكافكا، هو تبرير بعيد تماما على الأقل في الرواية الأشهر للكاتب.