مع استعداد الجمهوريين للقيام بحملتهم الهادفة الى تحقيق اصلاح ضريبي تعود قضية العجز والديون الى الواجهة من جديد، ويدرك العديد من الاقتصاديين أن خفض الضرائب، وخاصة ضريبة الدخل، قد يفضي الى زيادة العجز المالي الذي يؤدي بمرور الوقت الى زيادة في الدين القومي، واذا تم اعتماد خطة الحزب الجمهوري فإنها قد ترفع العجز والديون معاً، وطبعاً هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، فقد سبق أن خفض الرئيسان رونالد ريغان وجورج دبليو بوش الضرائب وأفضى ذلك الى تفاقم العجز المالي.

Ad

الرؤساء وديونهم

وهكذا فإن السؤال هو هل يعد المزيد من الديون مسألة جيدة أو سيئة وهل تنطوي على أهمية في الأساس؟ ولكن اذا كانت سيئة فما هو مدى الضرر المحتمل؟

الجواب هو أن أحداً لا يعرف على وجه الدقة، وكما هو الحال في العديد من الأشياء في الاقتصاد الكبير لا توجد نظرية يعول عليها ومؤكدة تماماً يفسر الوضع في الأجل القصير، كما أن السؤال المهم هو ما اذا كان العجز المالي سوف يفضي الى زيادة في الطلب وهو ليس فكرة محددة تماما بشكل خاص ولكنها تعني بشكل أساسي كمية المال التي يريد الناس أن ينفقوها على السلع والخدمات في الاقتصاد. ويضع الانفاق الحكومي المال في جيوب الناس فيما تقوم الضرائب بسحب تلك الأموال، وهكذا اذا أنفق المواطن البعض من المال الذي قدمته الحكومة فإن العجز سوف يؤدي الى اعطاء الاستهلاك والاقتصاد دفعة جديدة. وهذه هي الفكرة الكينيزية التي يتم تدريسها في معظم البرامج الاقتصادية. وقد لاحظ العديد من المراقبين أن خفض الضرائب الذي قام به رونالد ريغان في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي بدا مثل النظرية الكينيزية التحفيزية.

ومن جهة اخرى، اذا عمد الناس الى توفير معظم المبالغ التي تلقوها من الحكومة فإن الطلب لن يتحسن كثيراً على الاطلاق، واذا ظن الناس أن عجز اليوم سوف يسدد غداً فإنهم سوف يتوقعون أن ترتفع الضرائب عليهم في المستقبل وهذا سوف يدفعهم الى انفاق كميات أقل من المال.

والسؤال هو: كم حجم العجز المالي الذي سوف يدفع الناس حقاً الى الانفاق؟ قد يتوقف ذلك على نوع العجز، وتوجد أدلة على أن اعفاءات الضرائب التي تضمنها قانون التعافي واعادة الاستثمار في الولايات المتحدة في سنة 2009 – وهو حزمة تحفيز تمت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما – لم تسهم كثيراً في الانفاق (والانفاق المباشر على أشياء مثل الطرقات تنطوي على تأثير أكبر) وربما يرجع ذلك الى أن الناس توقعوا أن عجز أوباما المالي كان مؤقتاً وأن الضرائب سوف تعاود الارتفاع.

دور الركود

لكن ذلك لا يعني أن الديون التي تحققت من خلال التحفيز قد تم تسديدها، وعلى أي حال فإن أي مستهلك توقع بشكل صحيح عودة أوباما السريعة الى التقشف المالي قد أدرك أن زيادة دخله كانت عابرة.

وعلى أي حال فإن هذا لا يعني أن عملية التحفيز ليست مجدية، كما أن الانفاق الحكومي المباشر على مشاريع مثل الطرقات والتحويلات الى الولايات التي تفتقر الى المال قد أظهر أن التأثير كان أكبر، ويتماشى ذلك مع نظرية كينز ومع دليل آخر أكثر عمومية، ولكن قيمة الاعفاءات الضريبية تظهر أن العجز المالي الذي نجم عن تخفيضات مؤقتة في الضرائب لم يسهم في تحقيق نتائج جيدة بقدر كبير.

ولكن هل سيكون العجز من خطة ضرائب الجمهوريين مؤقتا أم مستمراً بشكل دائم؟ واذا كانت تجربة الماضي القريب تشكل أي دليل فإن الديون التي تحققت لن تسدد في أي وقت قريب، وكانت آخر مرة تراجع فيها الدين الفدرالي قد حدثت في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ويومها كانت فترة التقشف قصيرة –وبمجرد وصول جورج بوش الى سدة الحكم تمت ازالة الفوائض لصالح خفض كبير في الضرائب.

رأي خبراء الاقتصاد

يظن الكثير من خبراء الاقتصاد أن الديون لا يمكن أن تستمر في الزيادة الى الأبد على شكل نسبة من الناتج المحلي الاجمالي، كما أن معظم موديلات الاقتصاد تتضمن قيوداً طويلة الأجل على الميزانية ما يعني أن نسبة الدين الى الانتاج يجب أن تهبط الى الصفر في الأجل الطويل. ولكن في خارج العالم الأكاديمي بدأ الناس يتساءلون عما اذا كانت تلك حقيقة، وبعد كل شيء كانت الدول المتقدمة في شتى أنحاء العالم تعاني من ديون منذ عقود طويلة من الزمن، وبالنسبة الى أكثر هذه الدول كانت الديون المسؤولة عن التداعيات السلبية الناجمة.

والسؤال الذي يتردد بقوة هو: هل يوجد حد لارتفاع تلك الديون؟ واذا أبقت البنوك المركزية معدلات الفائدة عند نسبة تقارب الصفر الى الأبد فإن الحكومات لن تفتقر قط الى النقد وذلك نظراً لأن تكلفة خدمة الديون سوف تكون في حدها الأدنى عندئذ . ومن الطبيعي أن ترتفع معدلات الفائدة في حال قرر مشترو السندات التوقف عن شراء سندات حكومية ما يفضي الى أزمة ملاءة مالية والى تخلف الحكومات عن السداد.

ولكن ذلك سوف يحدث فقط اذا رفض البنك المركزي التدخل، واذا أقدم البنك المركزي على طباعة أوراق نقدية من أجل شراء ديون حكومية جديدة عند معدل فائدة يبلغ الصفر فإن في وسع الحكومة في تلك الحالة اقتراض كميات غير محدودة من المال مع عدم دفع أي شيء على الاطلاق.

ارتفاع معدل التضخم

ويظن كثيرون أن ذلك سوف يفضي الى ارتفاع حاد في معدل التضخم، واذا قمت بطباعة كمية كافية من الأوراق النقدية فإن الحكمة الأساسية تقول في تلك الحالة ان قيمتها سوف تهبط تبعاً لذلك، ولكن على الرغم من ذلك فإن الدول في شتى أنحاء العالم لم تتعرض حتى الى حالات تضخم معتدل، وذلك على الرغم من البرامج التي وضعتها البنوك المركزية في تلك الدول من أجل شراء الأصول بمعدلات ضخمة، والتي دفعت البعض من خبراء الاقتصاد وصناع السياسة الى الشك في جدوى هذه الحكمة التقليدية.

واذا لم يحدث التضخم على الاطلاق فسوف يكون في وسع البنوك المركزية الاستمرار في طباعة الأوراق النقدية واستخدامها من أجل تمويل العجز المالي الحكومي الى الأبد، وتشكل هذه الفكرة المحور الأساسي في نظرية تدعى «نظرية الأموال العصرية « التي بدأت تكتسب أرضية في خارج النطاق الأكاديمي.

واذا استمرت ادارات الحزب الجمهوري في الاعتقاد بأن الديون ليست مسألة تنطوي على أهمية كبيرة واذا أثبت الحزب الديمقراطي عجزاً سياسياً عن وضع حد لاصرار الجمهوريين على القيام بخفض الضرائب فلن يكون هناك في نهاية المطاف من بديل سوى القيام باختبار هذه النظرية. وعند نقطة ما وفي حال ازدياد الديون بصورة كافية فإن مجلس الاحتياط الفدرالي سوف يضطر الى البدء في تمويل عمليات الحكومة من خلال طباعة أوراق نقدية جديدة. وسوف تكون تلك تجربة مثيرة للاهتمام على الرغم من أنها قد لا تشكل الفكرة التي يجب أن نتوقعها بشدة .