أسدلت المحكمة الدستورية أمس الستار على قانون البصمة الوراثية، المطعون على دستوريته، من قبل مواطنين اثنين، وانتهت إلى الحكم بعدم دستورية مواده لمخالفتها أحكام الدستور.

وأكدت المحكمة، في حيثيات حكمها، برئاسة المستشار يوسف المطاوعة، وعضوية المستشارين خالد سالم ومحمد بن ناجي وخالد الوقيان وعلي بوقماز وإبراهيم السيف، مخالفة أحكام قانون البصمة للدستور، لانتهاكه آدمية الإنسان، والخصوصية التي يتعين أن يحظى بها الفرد، مشددة على أن حق الفرد في الأمن لا يبرر وجود هذا التشريع الذي يجب ألا يتعارض مع كرامته وحريته، والتي كفلها له الدستور.

Ad

وأضافت أن "ما ينعاه الطاعن في طعنه بعدم الدستورية على القانون رقم 78 لسنة 2015 بشأن البصمة الوراثية أنه صدر مخالفا للدستور، إذ ألزم جميع المواطنين والمقيمين والزائرين، وكل من دخل الأراضي الكويتية، بإعطاء العينة اللازمة لإجراء الفحص متى طلب منهم ذلك، وخلال الموعد المحدد لكل منهم، وفرض عقوبة على من يمتنع عمدا ودون عذر مقبول عن إعطاء تلك العينة، بقصد إنشاء قاعدة بيانات للبصمة الوراثية تخصص لحفظ البصمات الوراثية الناتجة عن العينات الحيوية التي تؤخذ من هؤلاء الأشخاص الخاضعين لأحكامه، وفق نصوص تضمنها القانون صيغت بعبارات بالغة السعة والعموم، مفتقدة التحديد الجازم لضوابط تطبيقها، منطوية على إخلال بالحرية الشخصية، وانتهاك خصوصيته، وحقه في حماية جسده من الاعتداء، بالمخالفة للمادتين 30 و31 من الدستور، وهو ما يصم القانون برمته بعدم الدستورية".

قاعدة بيانات

وذكرت المحكمة: "وحيث إن المادة 2 من القانون رقم 78 لسنة 2015 بشأن البصمة الوراثية تنص على أن (تنشأ بوزارة الداخلية قاعدة بيانات للبصمة الوراثية، وتخصص لحفظ البصمات الوراثية الناتجة عن العينات الحيوية التي تؤخذ من الأشخاص الخاضعين لهذا القانون)".

ولفتت الى ان "المادة 4 من ذات القانون تنص على أنه (لا يجوز للأشخاص الخاضعين لأحكام هذا القانون الامتناع عن إعطاء العينة اللازمة لإجراء الفحص، متى طلب منهم ذلك وخلال الموعد المحدد لكل منهم...)".

واردفت: "كما تنص المادة 8 من القانون على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من امتنع عمدا ودون عذر مقبول عن إعطاء العينة الحيوية الخاصة به أو بمن له عليهم ولاية أو وصاية أو قوامة)، وتنص المادة 11 منه على أن (تسري أحكام هذا القانون على جميع المواطنين والمقيمين والزائرين وكل من دخل الأراضي الكويتية على النحو الذي تنظمه اللائحة التنفيذية)".

حق طبيعي

وقالت المحكمة إن "الدستور أكد الحرية الشخصية كحق طبيعي من حقوق الإنسان، فنص في المادة 30 منه على أن (الحرية الشخصية مكفولة)، ونص في المادة 31 على أنه (لا يجوز القبض على إنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون. ولا يعرض أي إنسان للتعذيب أو للمعاملة الحاطة بالكرامة)، دالا بذلك على اعتبار الحرية الشخصية أساسا للحريات العامة الأخرى وحقا أصيلا للإنسان، ويندرج تحتها تلك الحقوق التي لا تكتمل الحرية الشخصية في غيبتها".

واضافت ان من بين هذه الحقوق "حق الفرد في صون كرامته والحفاظ على خصوصياته التي يحرص على عدم تدخل الناس فيها بعدم امتهانها وانتهاك أسراره فيها، إعمالا لحقه في احترام مناطق خصوصيته، ذلك أن ثمة مناطق وجوانب خاصة بالفرد تمثل أغوارا لا يصح النفاذ إليها، وينبغي دوما ألا يقتحمها أحد ضمانا لسريتها وصونا لحرمتها، فكل ما يتعلق بخصوصية الفرد جزء من كيانه، لا يجوز لأحد أن يناله أو يطلع عليه إلا بإذنه الصريح".

وزادت: "إذا كان تنظيم الحرية الشخصية يقع في نطاق السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، إلا أنه من غير الجائز أن يفرض المشرع تحت ستار هذا التنظيم قيودا يصل مداها إلى حد نقض هذا الحق أو الانتقاص منه أو إفراغه من مضمونه".

غموض النصوص

وبينت المحكمة أن "المقرر في قضاء هذه المحكمة انه وان كان غموض النصوص التشريعية عامة يعيبها، إلا أن غموض النصوص لاسيما المتعلقة منها بنصوص جزائية خاصة، وانغلاق فهمها يصمها بعدم الدستورية، لما يمثله ذلك من إخلال بالجوانب القانونية الجزائية بقيمها وضوابطها وأهدافها وقواعدها الإجرائية، والتي تعتبر وثيقة الصلة بالحرية الشخصية".

ولفتت الى انه "متى كان ذلك، وكان المشرع بموجب المواد سالفة البيان من قانون البصمة الوراثية رقم 78 لسنة 2015 قد فرض على جميع المواطنين والمقيمين والزائرين، وكل من دخل الأراضي الكويتية التزاما بإعطاء العينة الحيوية اللازمة لإجراء فحص البصمة الوراثية متى طلب منهم ذلك، وخلال الموعد المحدد لكل منهم، وفرض عقوبة على كل من يمتنع منهم عن إعطاء تلك العينة عمدا ودون عذر مقبول، وأوجب تسجيل نتائج الفحوصات التي تجرى في هذا الشأن في قاعدة بيانات البصمة الوراثية التي تنشأ بوزارة الداخلية وتخصص لحفظ جميع البصمات الوراثية، مما مؤداه أن تصبح هذه السجلات التي تحوي قاعدة بيانات البصمات الوراثية بمنزلة سجلات تكشف أمور الحياة الخاصة لكل من تواجد على الأراضي الكويتية، باعتبار أن البصمة الوراثية لكل إنسان تحوي كل صفاته الشخصية التي تميزه عن غيره وتوضح نسبه وعائلته والأمراض الوراثية فيها، وأسراره الطبية الدفينة، وهو ما يمثل انتهاكا صارخا للحرية الشخصية التي حرص الدستور على صونها".

نصوص عامة

وشددت المحكمة على أن "النصوص المشار إليها جاءت عامة يطبق حكمها على جميع الأشخاص سالفي البيان، ودون رضاهم عما أُمروا به أو حتى صدور موافقة أو إجازة سابقة منهم تتعلق بحق لهم، وهو من الحقوق اللصيقة بالشخص بموجب إنسانيته وآدميته، منتهكا القانون حق الفرد في الخصوصية".

وتابعت: "كما أطلق القانون التحليل دون أن يقصره على إعطاء الحد الأدنى الضروري من المعلومات، والذي يكفي لتحقيق الغاية التي صدر من أجلها القانون، ودون أن يبين القانون مآلها بعد الوفاة، أو كيفية ووسيلة تصنيف المعلومات المأخوذة من البصمات الوراثية، أو يُسبغ الحماية الواجبة على العينات ذاتها، مكتفيا بتقرير سريتها، في حين أن الأمر مختلف ما بين الحماية والسرية، وهو ما يعيب القانون ويصمه بعدم الدستورية".

واضافت: "ولا يغير من ذلك ما قد يسهم فيه ذلك القانون عند تطبيقه من الحفاظ على الأمن والمساعدة في كشف الجرائم، وتحديد ذاتية مرتكبيها، والتعرف على هوية الجثث المجهولة، إذ إن ممارسة الدولة لحقها في حماية الأمن العام يحده حين ممارسته حق الفرد الدستوري في كفالة حريته الشخصية، بما يقتضيه ذلك من الحفاظ على كرامته واحترام مناطق خصوصيته، بعدم امتهانها أو انتهاك أسراره فيها دون مقتضى، وهو ما يتعين معه القضاء بعدم دستورية المواد 2 و4 و8 و11 من القانون رقم 78 لسنة 2015 بشأن البصمة الوراثية".

وقالت: "وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت بقية مواد القانون سالف البيان إنما تتعلق بتعريف العبارات الواردة بالقانون، وإصدار لائحته التنفيذية، وكيفية الاستعانة بقاعدة بيانات البصمة الوراثية، وسرية بياناتها، وكيفية تبادلها مع الجهات الأجنبية، وعقوبة إفشاء أسرارها، وتزوير محررات متعلقة بها، وهي ترتبط بالنصوص المقضي بعدم دستوريتها ارتباط لزوم لا يقبل التجزئة، بحيث لا يتصور وجودها بدونها، ومن ثم فإن القضاء بعدم دستورية المواد الأولى يرتب سقوط باقي مواد القانون سالفة البيان تبعا لذلك، دون حاجة -من بعد- إلى التعرض لباقي ما أثاره الطاعن من مناع بعدم دستورية باقي نصوص القانون، لزوال تلك النصوص التي كانت محلا لهذه المناعي بقضاء هذه المحكمة بعدم الدستورية، وسقوط باقي مواد القانون".