وضعت بعض تصريحات إدارة ترامب الأخيرة في مجال السياسة الخارجية فنزويلا، التي تُعتبر على الأرجح الأزمة الكبرى في نصف الكرة الأرضية الغربي، في وسط المسرح، فقد أطال ترامب في خطابه في الأمم المتحدة الحديث عن الاضطرابات السياسية والاقتصادية في فنزويلا، مشدداً على مقاربة واشنطن الجديدة، وفي الأمسية التي سبقت الخطاب، التقى ترامب مجموعة من قادة أميركا اللاتينية، وشكّلت فنزويلا الموضوع الأول قبيل اجتماع الجمعية العام.

علاوة على ذلك، عندما كشفت إدارة ترامب عن سياسها الجديدة بشأن حظر السفر بغية استبدال التدابير المثيرة للجدل التي وصفها النقاد بـ"حظر المسلمين"، شملت لائحة الدول الثماني التي خضعت للقيود الأكثر تشدداً فنزويلا، مما شكّل مفاجأة للجميع تقريباً.

Ad

يشير كثيرون إلى أن إدارة ترامب تحاول تصحيح سياسة عشوائية بدأت بخطوات أولى كارثية، فقد ولّدت تصريحات ترامب عن أميركا اللاتينية، وخصوصاً المكسيك، شعوراً بالمرارة في المنطقة حتى قبل أن يتبوأ منصبه.

شكّلت مأدبة العشاء التي جمعت ترامب برؤساء كولومبيا، والبرازيل، وبنما (كان رئيس بيرو مدوعاً، إلا أنه ألغى رحلته إلى نيويورك) إشارة احترام قوية إلى منطقة شعرت بالإهانة، واللافت للنظر أن ترامب هدد علانية قبل بضعة أيام فقط بإدراج كولومبيا، صديقة واشنطن الأقرب في أميركا اللاتينية، على اللائحة السوداء بعد أرقامها المقلقة في مجال إنتاج الكوكايين، فشكّل هذا مذكّراً إضافياً بأن تصحيح المسار ليس مضموناً، ولكن في مأدبة العشاء الرفيعة المستوى في نيويورك ساد جو من الإيجابية والود، كذلك شدد وجود نائب الرئيس، ووزير الخارجية، والسفير الأميركي إلى الأمم المتحدة، إلى جانب الرئيس، على رسالة من التعاون والصداقة. وتحوّل هذا العشاء أيضاً إلى لقاء تنسيق مهم بشأن فنزويلا.

في اليوم التالي تصدر تهديد ترامب "بتدمر كامل" لكوريا الشمالية عناوين الأخبار وأفسد تأثير خطابه العام، لكن تعليقاته بشأن فنزويلا وأميركا اللاتينية جاءت عموماً في محلها، فقد سلّط ترامب الضوء على العلاقة "القوية والسليمة جداً" مع الكثير من دول أميركا اللاتينية، كذلك حرص على تخطي التركيز الأميركي العنيد والمعتاد، الذي يولّد دوماً الاستياء، على مسألتَي المخدرات والأمن، معلناً هدفاً مشتركاً: "الترويج للسلام والازدهار للجميع".

بالإضافة إلى ذلك، وصف ترامب بعبارات حالكة إنما دقيقة مأساة الشعب الفنزويلي، وعبّر عن نوع من التعددية يتناقض بوضوح مع ميوله الأحادية التي ميّزت نظرته إلى العالم، فقد حض ترامب بعد مطالبته "بعودة الديمقراطية والحرية السياسية كاملاً في فنزويلا": "طلبتُ من كل دولة ممثلة هنا الاستعداد لبذل جهد أكبر بغية معالجة هذه الأزمة الحقيقية".

في المقابل، جاء رد فعل فنزويلا عنيفاً، فانتقد مادورو، الذي لم يشارك في الجمعية العامة، بحدة ترامب وخطابه، واصفاً إياه بـ"اعتداء من هتلر السياسات الدولية الجديد ضد الشعب الفنزويلي".

يوم الأحد أصدر البيت الأبيض لائحة جديدة بالدول التي تواجه قيود سفر بهدف التصدي للإرهاب، وشملت اللائحة إلى جانب ست دول ذات غالبية إسلامية (إيران، وليبيا، والصومال، وسورية، واليمن، وتشاد) كوريا الشمالية وفنزويلا. وفي حالة سبع من هذه الدول الثماني، تمس قيود السفر معظم المواطنين، إلا أن الوضع مختلف مع فنزويلا.

أفاد البيان الرئاسي أن الحكومة الفنزويلية "أخفقت في مشاطرة المعلومات بشأن السلامة العامة والإرهاب بشكل ملائم". لذلك ركّز على المسؤولين الفنزويليين "المعنيين بهذا الإخفاق" وأقاربهم، ومرةً أخرى استشاطت الحكومة الفنزويلية غضباً، معتبرةً خطوة البيت الأبيض "إرهاباً نفسياً وسياسياً"، إذ دفعت قيود السفر هذه فنزويلا إلى التركيز مجدداً على واشنطن، ولكن يبدو أن الإدارة (أو مَن يصوغ السياسة بشأن فنزويلا) تريد أن تتعاون الولايات المتحدة مع جيران فنزويلا بهدف التوصل إلى استراتيجية أكثر فاعلية، ويشير معظم ما اتضح خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى عملية إعادة توجيه إيجابية لتلك الجهود، ولكن لأصدقاء الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية سبب يدفعهم إلى التساؤل عما إذا كان ترامب يتمتع بالانضباط الكافي ليبقى على هذا المسار الجديد.

* فريدا غيتيس

* «ورلد بوليتيكس ريفيو»