تشير الإحصاءات الأخيرة في الكويت إلى أن نسبة السكان الكويتيين تبلغ قرابة 30 في المئة من إجمالي الموجودين على أرضها. وقد تبدو نسبة الكويتيين لافتة ومثيرة للتساؤل، حين يُقال إن "الكويتيين قلة في بلدهم!"، لكن هذا هو الوضع القائم.

ولأن معايشة الواقع تتطلب بالضرورة التعامل معه؛ بحلوه ومره، ومحاولة إيجاد حلول لمشاكله، فإنه لابد من الإشارة إلى وجود أسر كثيرة في الكويت من الجنسيات العربية، وكذلك من فئة "البدون"، تعاني تعذر حصول أبنائها على التعليم، وهذا يعني، بين أمور أخرى، حرمان أطفال من فرصة التعليم، وبالتالي إقصاءهم من العيش في عجلة العصر الذي نحيا. فكيف يمكن تصوُّر التعامل مع شخص، شاب أو فتاة، وهو لا يعرف القراءة والكتابة؟!

Ad

الإنسان بغريزته مجبول على استشعار لذة الأخذ، لكن هناك مَن يستشعر لذة العطاء، وهذه ثقافة إنسانية يجب غرسها ورعايتها في وعي وسلوك أبنائنا، وبالتالي ينشؤون وهم مؤمنون بأهمية المساهمة في العطاء، وتحديداً العطاء الإنساني الذي يُراد له مساعدة الغير وإعانتهم على الحياة الكريمة.

جمعية الهلال الأحمر الكويتية، بالتعاون مع بنك الكويت الوطني، باشرت مع بداية الأسبوع الجاري حملة بعنوان "بالعلم نضيء الكويت". والحملة مشروع إنساني يُعنى بتعليم أطفال الأسر من ذوي الدخل الضعيف والأسر المحتاجة من غير الكويتيين. فكم تبدو كبيرة ومؤلمة أن يُحرم أطفال على أرض الكويت، نتيجة أي اختلال أسري، أو اجتماعي أو اقتصادي، من فرصة التعليم!

إن سمعة الكويت العالمية بتوجهها المشهود للعمل الإنساني، وعلى المقدمة من ذلك تأتي سمعة سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الرفيعة، بوصفه "قائداً للعمل الإنساني"، هذه السمعة يجب أن تشكِّل حافزاً كبيراً لمشاركة العدد الأكبر من شرائح المجتمع الكويتي في هذه الحملة، وبالتالي تحقيق شعارها في إضاءة الكويت، من خلال تعليم الأطفال العاجزة أسرهم عن تأمين تعليمهم. فقد عمد القائمون على الحملة إلى استخدام خارطة الكويت، وأن يُضاء مصباح صغير كلما تبرع أحدٌ بمساهمة، والرجاء مشروعٌ وكبير في أن تُضاء كل الخارطة، إشارة إلى نجاح الحملة في تعليم الأطفال المحتاجين.

إن الدمعة لتبدو حارقة على خد طفل يرى باقي الأطفال يحملون حقائبهم الدراسية صباح كل يوم وهم في طريقهم إلى المدارس، بينما يقف هو مسمَّراً بمكانه محروماً من حقه في التعليم، وبأن يكون كباقي الأطفال!

مشروع تعليم أطفال الأسر من ذوي الدخل الضعيف من غير الكويتيين، الذي تنهض به جمعية الهلال الأحمر الكويتية، يهدف إلى دعم الصندوق الخيري للتعليم، الذي تديره الإدارة العامة للتعليم الخاص بوزارة التربية، ويقدم المساعدة لأكثر من ألفي طالب وطالبة من المتقدمين للإدارة العامة للتعليم الخاص من جميع المراحل الدراسية.

إن قربي من بعض الزملاء العاملين في حملة "بالعلم نضيء الكويت" أتاح لي فرصة معاينة والاستماع إلى عشرات القصص الفاجعة بمعاناة أسر بكاملها، بسبب عدم تمكنها من إرسال أطفالها إلى المدارس، أو عدم تمكنها من دفع أقساط المدارس الشهرية، حتى يستطيع الولد أو البنت مباشرة البدء بالعام الدراسي الجديد.

أعرف تماماً "رتم" وحش اليوم الراكض الذي يعتاش على لحظات أعمارنا. وأعرف أيضاً أن الكثير منا يشكو ضيق الوقت، لكني أؤمن بأن دور المبدع والكاتب والمثقف يجب ألا يقف عند حد كتابة قصة أو رواية أو قصيدة أو رسم لوحة أو الاشتغال في عمل مسرحي أو سينمائي. لذا، أتمنى من جميع الأدباء والفنانين، داخل الكويت وخارجها، ممن يؤمنون بالطفل والإنسان، المشاركة في دعم هذه الحملة، وتقديم كل أشكال المساعدة لرعاية أطفال بعمر الورود يعيشون عيشة الوجع.