تعهدت إسبانيا مجدداً، أمس، بمنع إقليم كاتالونيا من إعلان استقلاله، غداة استفتاء استخدمت الشرطة خلاله الهراوات والرصاص المطاطي، مما دفع بالأمم المتحدة إلى دعوة مدريد للتحقيق في أعمال العنف في ظل أسوأ أزمة تشهدها البلاد منذ عقود.

وخرج الاتحاد الأوروبي عن صمته، أمس، لكن بتحفظ، ودعا جميع أطراف الأزمة إلى «الانتقال بسرعة من المواجهة إلى الحوار» مؤكداً أن «العنف لا يمكن أن يكون أبداً أداة في السياسة».

Ad

في الأثناء، عقدت حكومة رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي محادثات طارئة بعدما أعلن رئيس كاتالونيا كارليس بيغديمونت، أن الإقليم فاز بحق الانفصال عن إسبانيا.

وشكلت مشاهد شرطة مكافحة الشغب وهي تضرب الناس، الذين نزلوا للإدلاء بأصواتهم بالهراوات وتطلق الأعيرة المطاطية لتفريق الحشود خلال استفتاء الأحد في الإقليم الغني الواقع في شمال شرق البلاد، صدمة للعديد من الأشخاص في إسبانيا وأوروبا والعالم.

وطالب بيغديمونت، أمس، بوساطة دولية لحل الأزمة وبسحب جميع قوات الأمن، التي نشرتها السلطات الإسبانية في الإقليم جراء الاستفتاء.

وفي وقت متأخر الأحد، أعلن بيغديمونت أن 90 في المئة ممن شاركوا في الاقتراع صوتوا لمصلحة الاستقلال في تحد لحملة الشرطة ومعارضة مدريد.

وبحسب حكومة كاتالونيا، أدلى 2.26 مليون شخص بأصواتهم، أي ما يعادل أكثر بقليل من 42 في المئة من ناخبي الإقليم.

وبذلك، يكون اقليم كاتالونيا الذي يبلغ تعداد سكانه 7.5 ملايين نسمة ويساهم بخُمس الاقتصاد الإسباني، «كسب الحق بإعلان دولة مستقلة»، على حد تعبير بيغديمونت. لكن يرجح أن تلقى أي محاولة لإعلان الاستقلال بشكل أحادي معارضة ليس من مدريد فحسب، بل كذلك من قسم كبير من سكان كاتالونيا المنقسمين بشكل عميق حيال المسألة.

ويضع هذا الإعلان الإقليم المضطرب على مسار تباعد أكبر مع مدريد، عقب تأكيد راخوي موقف حكومته بأن الاستفتاء كان عملاً مخالفاً للقانون ردت عليه الدولة «بحزم وهدوء».

وأما بيغديمونت، فأشار إلى أنه سيقدم النتائج الآن إلى برلمان الإقليم، الذي يملك سلطة تبني قرار الاستقلال. ويحظى المؤيدون للاستقلال بأغلبية ضئيلة حيث يحتلون 72 مقعداً من أصل 135 في البرلمان الكاتالوني.

وفي رد فعله على مشاهد العنف، قال بيغديمونت، إن الحكومة المركزية الإسبانية «كتبت صفحة مخزية في تاريخها مع كاتالونيا» فيما دعت كبار شخصيات حزب «بوديموس» اليساري المتشدد راخوي إلى تقديم استقالته. وأعلنت سلطات كاتالونيا أن 844 شخصاً بحاجة إلى عناية طبية بعد أعمال العنف فيما تاكدت اصابة 92 شخصاً.

وأظهرت لقطات مسجلة صادمة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي الشرطة تمسك ناخبين في مراكز الاقتراع من الشعر وتسحلهم وتقذف الناس من السلالم وتعتدي على عناصر الإطفاء الكاتالونيين الذين حاولوا حماية مراكز الاقتراع.

وفي إشارة أخرى إلى التوترات، دعت نقابات ورابطات كاتالونية إلى يوم اضراب عام وتعبئة الثلاثاء في أنحاء الإقليم إثر «الانتهاكات الجسيمة للحقوق والحريات» التي وقعت.

وفيما أجمعت الصحف الإسبانية على انتقاد بيغديمونت لإجرائه الاستفتاء رغم قرار المحكمة، الذي اعتبره غير شرعي، لكنها انتقدت كذلك طريقة تعاطي راخوي مع الأزمة.

ورأت صحيفة «إيل موندو» المحافظة أن استراتيجية الحكومة في انتظار إجراء الاستفتاء وإرسال الشرطة لمنعه كانت فاشلة. وكتبت: «ليس بإمكانها منع المشاهد الدرامية من الانتشار في أنحاء العالم».

وأما صحيفة «إيل بايس» الشعبية، فرأت أن راخوي أظهر «عجزاً تاماً عن إدارة المشكلة» منذ بدء أزمة كاتالونيا.

وعقد رئيس الوزراء محادثات في وقت لاحق مع زعيم الحزب الاشتراكي المعارض بيدرو سانتشيز وقائد حزب المواطنة الوسطي البيرت ريبيرا حليف حكومته في البرلمان.

وأكد وزير العدل الإسباني رافايل كاتالا أن الدولة ستقوم «بكل ما يسمح به القانون» إذا أعلن الانفصاليون الكاتالونيون الاستقلال من جانب واحد، مشيراً إلى قدرة الحكومة على تفعيل المادة 155 من الدستور، التي تسمح لها بتجميد سلطات حكومة كاتالونيا لمنع أي إعلان استقلال.

وتجمع المئات وسط برشلونة، أمس، للاحتجاج على عنف الشرطة حيث رددوا «الشارع سيكون لنا على الدوام» وهي العبارة، التي أصبحت شعار تحرك مؤيدي الاستفتاء. ورأى بعض المحللين أن مشاهد القمع الأمني قد تعزز الدعم الدولي للانفصاليين.

وقال المحلل فيدريكو سانتي من مجموعة «يورآسيا» الاستشارية، إن «انفصال كاتالونيا لا يزال غير مرجح، لكن بات للمشاعر الانفصالية زخمها الخاص بها، إذ ستكون الأزمة المؤسساتية الناتجة عن ذلك شديدة وتشكل مخاطر أساسية على المستقبل الاقتصادي لإسبانيا». وانخفض اليورو في سوق الأسهم الاسبانية الاثنين عقب الاستفتاء، حيث كانت أسهم المصارف الأكثر تأثراً.