تشكّل ضرورة تعليم الأولاد تنظيف أسنانهم بالفرشاة بانتظام جزءاً لا يتجزأ من تربيتهم. لكن البعض، خصوصاً الأطباء، ما زال يشتبه في أن عدداً من الأولاد محكوم عليهم، رغم تنظيفهم أسنانهم بانتظام، بمعاناة تسوس الأسنان. تشير الفرضية وراء هذا الخوف إلى أن بعض تراكيب الجينات يدعم أنواع البكتيريا المسؤولة عن تسوس الأسنان. وإذا صح ذلك، فهذا أمر مؤسف للصغار الذين يحملون هذه الجينات. لكن دراسة نشرها أخيراً أندريس غوميز وكارين نيلسون من معهد ج. كريغ فنتر في سان دييغو في مجلة Cell Host and Microbe تُظهر خطأ هذه الفرضية.

Ad

تجربة

يضمّ الفم أنواعاً عدة من الميكروبات، معظمها حميد. لكن بعضها يشتهر بإفرازه فضلات حمضية عند تناول السكر، فتضعف هذه الحموضة الأسنان، مسببةً التسوس. وفي محاولة لمعرفة ما إذا كانت جينات الأولاد تؤدي دوراً في تشجيع هذه الميكروبات المنتجة للأحماض، أجرى الدكتوران غوميز ونيلسون تجربة شملت توائم.

ضمّ «المتطوعون» (بموافقة الأهل بالتأكيد) 280 ثنائياً من التوائم الأشقاء و205 من التوائم المتطابقين. تراوحت أعمارهم جميعاً بين خمس و11 سنة، ولم يتناولوا المضادات الحيوية خلال الأشهر الستة السابقة. طُلب من الأولاد الامتناع عن تنظيف أسنانهم في المساء والصباح قبيل أوقات جمع البيانات المهمة. في تلك الفترات، عمد الباحثون إلى مسح أثلام الأولاد اللثوية (الحيّز بين الأسنان واللثة الذي تتجمّع فيه البكتيريا) بغية اكتشاف ما يحتوي عليه. كذلك صنّف أطباء أسنان هؤلاء الأولاد وفق ثلاث فئات: خالية من أية إشارة إلى تسوس أسنان حالي أو سابق، أو تحمل إشارات إلى تسوس حالي أو سابق يؤثّر في المينا (طبقة الأسنان الخارجية الصلبة)، أو تحمل إشارات إلى تسوس اخترق المينا وأصاب أيضاً العاج تحته.

اكتشف الدكتوران غوميز ونيلسون أن التوائم المتطابقين يتشاركون في مجموعات بكتيريا كثيرة لم يتشاطرها التوائم الأشقاء، إلا أنها لم تكن من النوع المسبب للتسوس. علاوة على ذلك، جاءت أوجه الشبه في مجموعة بكتيريا الأسنان الأقوى بين مَن تراوحت أعمارهم بين خمس وسبع سنوات، أقل بروزاً بين مَن بلغوا السابعة إلى التاسعة من العمر، والأكثر ضعفاً بين مَن كانوا في التاسعة إلى الحادية عشرة من العمر. ويشير هذا الأمر إلى أن أي دور قد تؤديه الجينات في ضبط بيئة الفم يتراجع بمرور الوقت.

التحكم في نمو البكتيريا الملائمة

إذاً، بدل أن تدعم فكرة أن ثمة أولاداً محكوماً عليهم بتسوس الأسنان مهما نظفوها بالفرشاة، أوضحت النتائج أن القدرة على التحكم في نمو البكتيريا الملائمة متاحة للأولاد وذويهم. لكن تنظيف الأسنان بالفرشاة ليس المقاربة الوحيدة. لا شك في أن ضرورة تفادي الأطعمة الغنية بالسكر جلية. ولكن يبدو أن الأطعمة الأخرى التي يستهلكها الولد تسهم على الأرجح في صوغ بيئته الفموية أيضاً. لا تزال هذه المسألة محور بحوث عدة. ولكن كما في الأمعاء، كذلك في الفم: بدأ الطب العلمي يدرك أخيراً واقع أن مجموعة البكتيريا في كليهما مهمة، وأن من الممكن التلاعب بها لصالح المضيف.