بعد خروجها منتصرة من انتخابات تشريعية مخيبة للآمال، إنما في موقع أضعف، باشرت المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل، أمس، مفاوضات صعبة لتشكيل غالبية جديدة في مشهد سياسي مشرذم بعد الاختراق التاريخي الذي حققه اليمين القومي.

ولن يتم تعيين ميركل رسمياً مستشارة لولاية رابعة إلا بعد الإعلان رسمياً عن تشكيل ائتلاف حاكم جديد، وإلا فمن المحتمل الدعوة لانتخابات تشريعية جديدة.

Ad

واجتمعت قيادة محافظي الاتحاد المسيحي الديمقراطي لاستخلاص أولى العبر من انتخابات لم يحصل معسكر ميركل فيها سوى على 33 في المئة من الأصوات، في أسوأ نتيجة له من 1949، بحسب النتائج النهائية الصادرة أمس.

وهذا الفوز الرابع على التوالي للمستشارة له طعم مرير لها، وأظهر أولى بوادر الاحتجاجات في صفوف حلفائها المحافظين البافاريين من "الاتحاد المسيحي الاجتماعي" الذين يدعون منذ سنتين إلى سلوك ميركل منعطفاً إلى اليمين في سياستها.

وما يعزز حججهم انتقال قسم من الناخبين المحافظين (مليون ناخب بحسب استطلاعات الرأي) إلى حزب "البديل لألمانيا" اليميني الشعبوي الذي ركز حملته على رفض قرار المستشارة عام 2015 بفتح أبواب البلاد أمام أعداد كبيرة من المهاجرين.

وفي صدمة حقيقة للعديد من الألمان، حصد "البديل لألمانيا" 12.6 في المئة من الأصوات بعد خوضه حملة شديدة النبرة استلهمها من حملتي الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وتحقق هذا الاختراق نتيجة تشديد الحركة خطابها مع تبنيها مواقف تدعو إلى إنكار محرقة اليهود وشن هجمات شديدة على ميركل والمسلمين والأجانب، غير أن هذا المنحى الراديكالي أجج الانقسامات داخل حزب غير متجانس.

وأثارت زعيمة في الحزب كانت حتى مطلع السنة أبرز وجوهه فرويكي بيتري مفاجأة كبرى بإعلانها، أمس، رفضها احتلال مقعد في مجلس النواب ضمن كتلة "البديل لألمانيا".

وهاجمت ألكسندر غاولاند أحد زعيمي الحزب، الذي أعلن بعيد الانتخابات أن الحزب سيباشر حملة مطاردة لميركل، كما أنه أثار أخيراً سجالاً كبيراً بدعوته إلى الاعتزاز بأداء الجنود الألمان في الحرب العالمية الثانية.

ورأى المجلس المركزي ليهود ألمانيا في النتيجة التي حققها الحزب القومي المتطرف الداعي إلى العودة عن توبة ألمانيا على جرائم الرايخ الثالث، "أكبر تحد ديمقراطي منذ 1949" وولادة جمهورية ألمانيا الاتحادية.

لكن المشكلات بوجه ميركل لا تتوقف عند هذا الحد، إذ يتوقع أن تكون عملية تشكيل الحكومة معقدة جداً، لاسيما بعدما قرر الاشتراكيون الديمقراطيون إثر تحقيق أسوأ نتيجة انتخابية في تاريخهم (20.5 في المئة) الخروج من الائتلاف مع المستشارة والالتحاق بالمعارضة.

ولا يبقى أمام المحافظين سوى سبيل واحد لتحقيق الأغلبية في مجلس النواب الجديد، يمر عبر إقامة تحالف غير مسبوق على المستوى الوطني يجمع المحافظين وليبراليي "الحزب الديمقراطي الحر" الذين يعودون إلى مجلس النواب بـ10.7 في المئة من الأصوات، والخضر الذين حصلوا على 8.9 في المئة من الأصوات.

وهذا التحالف، الذي يشار إليه بتسمية تحالف "جامايكا" بسبب ألوان الأحزاب الثلاثة الأسود والأصفر والأخضر، غير موجود حالياً في ألمانيا سوى على الصعيد المحلي في ولاية شليسفيغ-هولستاين الشمالية، ومنذ الربيع الماضي فحسب.

لكن المشكلة هي أن الليبراليين والخضر يختلفان حول الكثير من الملفات الأساسية مثل الهجرة ومستقبل الديزل والتخلي عن الفحم، كما أن لكل منهما خلافات أساسية مع المحافظين.

بالتالي، فإن المفاوضات قد تستغرق عدة أشهر، علماً أن الحزب الفائز في الانتخابات منذ 1949 تمكن على الدوام من تشكيل أغلبية، وقد استبعدت المستشارة قيام حكومة أقلية تستند إلى أغلبيات متبدلة.