لا نحتاج إلى كثير من العناء للبحث عن أسباب الإثارة الطائفية التي تنفجر بين الفترة والأخرى، وهي ليست كما قد يتخيل البعض أنها بدوافع فكرية أو عقيدية لأنها في مكنونات العقل الباطن لأصحابها، ولكنها أدوات ومبررات لإشعال الفتنة وتغيير مسار الأحداث في أي مجتمع، ولكننا فعلاً بحاجة إلى تشخيص النتائج المترتبة على مثل هذه الأطروحات والممارسات والقرارات المرتبطة بها.

قضية إبعاد بعض خطباء المنبر الحسيني، وتحديداً في موسم عاشوراء الإمام الحسين (ع) هي إحدى تطبيقات الأهداف المتوخاة من إثارة الطائفية، كونها أهم وأخطر سلاح لتهييج أتباع كل طرف، وخلق جو عام من الاحتقان السياسي وبث روح الكراهية في المجتمع، وهو سلاح يؤدي إلى النتائج نفسها مهما كان القرار المتخذ بشأنه، فعلى سبيل المثال فإن استجابة الحكومة لبعض النواب في ترحيل الخطباء الشيعة خلق حالة من الغضب الشديد في صفوف عموم الشيعة، وذات النتيجة كان يمكن أن تترتب في حالة بقاء هؤلاء المشايخ ولكن في الطرف السني.

Ad

نعلم وبشكل لا يحمل أي لبس قدسية الصحابة الأجلاء عند عموم المسلمين رغم خصوصية ومكانة بعض الصحابة عند كل مذهب، وهذه مسألة معقدة وخلافية في حدود السب والقذف أو النقد والتقييم عند الجميع دون استثناء، ورغم ذلك تقتضي المداراة والاحترام المتبادل ورعاية مشاعر الجميع ومقدساتهم النأي بأنفسنا عن الخوض في هذه المسألة الحساسة من باب المحافظة على أواصر التآخي والمصلحة العليا، لكن الانتقائية والاجتزاء من أجل التصيّد لا يقل خطورة في تبعاته، وهذا ما حصل مع خيرة المشايخ المستهدفين، فهم كانوا طوال مسيرتهم العلمية رأس حربة في المحافظة على الوحدة الإسلامية وإظهار المحبة الكبيرة للكويت وأهل الكويت.

ورغم ذلك فإن عموم الشيعة أسوة بإخوانهم السنّة لا يقبلون بمن يتقصد إثارة أي نوع من الفتنة في مجتمعنا الصغير الذي لم يسلم من تجرّع هذا السم، لكن الشيعة والسنّة على حد سواء لا يقبلون أيضاً تطفّل كل من تسوّل نفسه أن ينفخ في هذه النار بين فترة وأخرى.

الفتنة الطائفية الأخيرة مصدرها من أفلس سياسياً وانكشف أمام الرأي العام الكويتي بأنه لحس مبادئه ووعوده وانبطح للحكومة بكل التنازلات وتحول إلى نموذج مخز للمعارضة المزعومة، فلم ينل من الحكومة إلا الإذلال والإهمال، فوجد نفسه أمام التسلق على حبل الطائفية لعلها تكون مخرجاً لتحقيق نجومية قد أفلت، غير عابئ بنتائج هذا الاحتقان وتبعاته الخطيرة لأنها لا تهمه من الأساس.

أما الحكومة الموقرة فنجدها دائماً مطيعة ومنفذة للأجندات الطائفية فقط، فتستجيب للمطبلين لها بسرعة البرق، تماماً كما كانت الحال إبان إشغال الكويتيين بفتنة الحضر والبدو قبل فترة، ويتضح من خلالها الحرص على استمرار ظهور فتن جديدة بلباس قديم، وإلا ما بال هذه الحكومة لا تستجيب بهذا الحماس نفسه والسرعة ذاتها لبقية مطالبات الإصلاح ووقف الحرامية الكبار ومعالجة الفساد وهي قضايا يطالب بها الجميع منذ نصف قرن؟!