إحدى أهم وصايا الأب الروحي للزعماء النفعيين المتسلطين على رقاب الناس نيكولا مكيافيلي صاحب نظرية "الغاية تبرر الوسيلة" أن يستعملوا كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتثبيت قبضتهم على الحكم، مثل الكذب والدجل والخسة بأنواعها والتنصل من الوعود والمواثيق المبرمة إن دعت الحاجة إلى ذلك دون اعتبارات أخلاقية "فلا توجد صلة بين الأخلاق والسياسة في برنامج الرجل"، وبإمكان الزعماء أن يمارسوا أقصى درجات القسوة والوحشية بحق شعوبهم أو الشعوب الأخرى إذا ما ساعدتهم على البقاء في السلطة مدة أطول.

تأثر الكثير من قادة العالم المعاصرين بفكر هذا المجنون واقتفوا أثره وحفظوا نصائحه المدمرة عن ظهر قلب، وراحوا يطبقونها على الناس بالقوة الغاشمة، مما نتج عنه تدمير بلدان ونزوح شعوب وقتل ملايين من الناس، ولولا تصدي القوى المحبة للسلام لها، لانتهى العالم إلى كارثة حقيقية... كثيراً ما يحقق القادة المكيافيليون انتصارات في ميادين الحرب والسياسة، ولكنها انتصارات مؤقتة تعقبها هزائم منكرة لا يمكن توقعها، احتلت النازية والفاشية حيزاً جماهيرياً لفترة قصيرة نسبياً وأصبحت موجة سياسية سائدة في وقت معين، ولكن بريقهما سرعان ما انطفأ وغدتا رمزاً للقمع والطغيان والدكتاتورية، وهكذا الحال مع الأحزاب العنصرية مثل حزب البعث العربي الاشتراكي والأحزاب الشوفينية الأخرى، ومن المفارقات أن كل من التزم بهذا الفكر المدمر وأراد أن يطبقه على الناس مني بهزيمة نكراء وسقط سقوطا مروعا، فأين موسوليني وهتلر وفرانكو وصدام والقذافي وحافظ الاسد وغيرهم من الزعماء الدكتاتوريين الذين أقاموا دولاً وإمبراطوريات عظمى وحشدوا جيوشا جرارة وبنوا قوة جبارة على أساس من العدوانية والهمجية، أين ذهبت أحلامهم التوسعية واعتداءاتهم العنصرية؟ كلها تبخرت وذهبت أدراج الرياح، ماذا استطاع هتلر أن يحقق لبلاده أو لأوروبا، غير التقسيم والتدمير؟ وماذا قدم جمال عبدالناصر أو صدام حسين أو حافظ الأسد لشعوبهم أو للشعوب العربية من خدمات وانتصارات وإصلاحات سياسية، كما كانوا يدعون لها ويبشرون بها من خلال شعاراتهم وخطاباتهم الحماسية الجوفاء؟ لم يقدموا لهم غير النكبات والانتكاسات والحروب الخاسرة، ففي زمن القائد الضرورة صدام حسين انفصل الشمال الكردي إدارياً وسياسياً عن العراق وحدث شرخ اجتماعي وعرقي بين أبناء البلد الواحد، وفي زمن نوري المالكي وحيدر العبادي الطائفي صعدت الإدارة الكردية الذاتية سقف مطالبها ورفعت راية الاستقلال والانفصال عن العراق وتشكيل دولتها القومية، متجاهلة تماما الأصوات العالمية المعترضة على مشروعها الاستقلالي وفضلت السير نحو المجهول على أن تتعايش مع نظام طائفي دكتاتوري قمعي يريد أن يخضع الكرد لهيمنته بالقوة والمكر والخداع بعد أن سيطر على المكون السني وغير ديموغرافية المناطق لصالحه عبر حروب دموية.

Ad

وكذلك فقدت سورية هضبة الجولان الاستراتيجية على يد فارس"الثورة التصحيحية" وبطل "مجزرة حماة" حافظ الأسد وابنه من بعده الذي وجه نيران غضبه إلى شعبه واستعمل ضده أبشع أنواع الأسلحة المحرمة، بدل أن يحرر أراضيه المغتصبة.

استوعبت المجتمعات الغربية الدرس واتعظت من الأحداث المريرة التي عاشتها طويلاً على يد هؤلاء القادة الشوفينيين مبكراً، فنبذت السياسة المكيافيلية المضللة وانتهجت سياسة قائمة على الشفافية والصدق والعدل ونظمت قوانينها وأضافت بنوداً ومبادئ جديدة إلى دساتيرها لتحول دون ظهور دكتاتوريات تقودها إلى المجهول، بينما مازلنا ندور نحن في الفلك المكيافيلي ونطبق مبادئه ووصاياه بكل إخلاص في الواقع.

* كاتب عراقي