لست من دعاة التشاؤم ولكن ما أشاهده بين أروقة الأمم المتحدة في اجتماعاتها السنوية والتي وصلت إلى 72 دورة حتى الآن جعلني أدرك تماماً أنه لا جديد تحت الشمس، ولا فائدة فيما يقال ويردده البعض من زعماء العالم من أحاديث كاذبة ودعوات واهية، خصوصاً بعد أن أصبحت اجتماعات الأمم المتحدة مليئة بالخطابات الرنانة ومكاناً لعرض المظالم وتبادل الاتهامات بين الدول الأعضاء أكثر منها للانخراط في دبلوماسية بناءة تساهم في حل مشاكل العالم.

لقد أنشئت هيئة الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي كبّدت البشرية الملايين من الضحايا ولكن وجودها لم يمنع من سقوط ملايين آخرين في حروب كثيرة تم خوضها تحت شعارات المصالح الخاصة وتصفية الحسابات والسيطرة على المغانم، ووقفت هذه المنظمة الدولية صامتة لم تبذل جهداً يذكر لحل الأزمات الكثيرة التي تعصف بعالمنا، ولم تفعل شيئاً إزاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ولم تستطع وضع حد للصراعات في سورية والعراق وليبيا وأفغانستان وأوكرانيا، حتى الأزمة التي تشهدها منطقة الخليج العربي لم نر للأمم المتحدة دوراً وكذلك الحال بالنسبة للمأساة الإنسانية التي تحدث الآن ضد مسلمي الروهينغا في ميانمار.

Ad

ولعل من أهم أسباب ضعف الأمم المتحدة وإصابتها بالعقم والشيخوخة عدم تعاون الدول الأعضاء مع بعضها، فهي عبارة عن أجزاء وتكتلات تعمل ضد بعضها، ومن ثم فإن النتيجة الحتمية ستكون الجمود والعجز، بل إن إحدى منظمات الأمم المتحدة وهو مجلس الأمن يعرقل باستمرار جهود حل الانقسامات من خلال حق النقض "الفيتو" الممنوح للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين والتي تستخدمه لحماية حلفائها مثل إسرائيل بالنسبة إلى الولايات المتحدة وسورية بالنسبة إلى الروس وكوريا الشمالية بالنسبة إلى الصين والعديد من مشاريع القرارات لا تصل حتى إلى مرحلة التصويت بسبب التهديد باستخدام الفيتو.

وما يجعلني أستسلم لليأس كغيري أنه مراراً وتكراراً حدثونا عن جهود إصلاح منظمة الأمم المتحدة ولكن الخلافات الكبيرة تعطل هذه المسار، فرغم اتفاق الجميع على ضرورة توسيع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ما زالت هناك خلافات على الدول التي يحق لها تمثيل كل قارة، كما أن دعوات إلغاء حق النقض "الفيتو" لا تجد قبولاً ودعماً من القوى الكبرى والمؤثرة، وكثيراً من القرارات التي تريد أن توقف الصراعات لا ترى النور ويتم وأدها في مهدها.

إن سياسات القوى الكبرى المسيطرة على العالم أفقدت هذه المنظمة الدولية المهمة هيبتها، ولم تعد قادرة على ممارسة دورها المنوط واتسعت نسب الفقر والمرض والفشل في الكثير من الدول وانتشر السلاح النووي بشكل غير مسبوق في ظل عدم احترام القرارات الصادرة عن هذه المنظمة، وتفشى الإرهاب في الكثير من المجتمعات، حيث تركت الدول المتضررة منه تكافحه بمفردها في الوقت الذي تقدم فيه دول أخرى له المال والسلاح، وتؤوي بعضها العناصر الإرهابية وتمنحها حق اللجوء والجناسي. والسؤال الآن: هل بعد هذا نتحدث عن أمم متحدة أم أن المصطلح الصحيح الذي يجب أن يطلق عليها هو "الأمم غير المتحدة"؟