ماذا يحدث لقلوبنا إن جعلناها مقابر جماعية مفتوحة لجثث ترفض أن تموت، رغم أنها مكفّنة بالعفن؟! لن تصبح قلوبنا حينها سوى حقل نعيم لزهور القبح والغربان، ووجهة مقدسة لرسل الطاعون. إن الجثث غير المدفونة تجلب الشر وسوء الطالع وأسباب النحس. البعض يملأ قلبه بالجثث غير المدفونة، دون أن يعي أنه يفعل ذلك. الجرح القديم جثة يجب التخلص منها، بالدفن، أو بالحرق، أو بأي طقس دين يدين به القلب. الحب المنتهي بما لا تشتهي الأمنيات جثة، خطأ ارتكبناه ودفعنا ثمنه جثة، صديق سلبه الخذلان من حياتنا جثة، حبيب لم يحبنا جثة، ذكريات تلف أنفاسنا بالأسلاك الشائكة حتى نكاد نموت من الأسى هي أيضا جثة لابد من اتقاء شر تركها في عراء القلب. يحمل البعض في قلبه جثثاً لم تدفن لأناس أو مشاعر أو لحظات أو أماكن، ويطوف بها متآلفاً مع رائحة العفن التي تنبعث منها، وغير مدرك أحياناً إلى أن تعفّن تلك الجثث ينتقل إلى الروح، لتصبح بدورها لا تطاق، ولا تصلح سكناً سوى لروح تشبهها في العفن.

لابد أن نتجاوز عثرات قلوبنا وخيباتها، حتى لا تتحول هذه العثرات وهذه الخيبات إلى إكسسوارات إضافية للمقبرة المفتوحة في قلوبنا، ورائحة أخرى كريهة تضاف إلى رائحتها. إن هذه الجثث التي نتركها في قلوبنا تلوّث أرواحنا بروائحها الكريهة، فتكتسب الروح رائحتها النتنة، ولا شيء يطهّر الروح من شر هذه الأرواح التي ذهبت ضحية أخطائنا أو أخطائها سوى التخلص من جثثها، بجعلها من الماضي الذي لن يعود أبداً، والاستمرار في حياتنا مغتسلة أروحنا من رائحة الموت التي علقت بها بماء النسيان، أو التطهر منها بماء السماح. لن يمحو حمل هذه الجثث على ظهور قلوبنا جرح، ولن يعيد القدر من أجلها رسم لحظة مضت، ولن يراجع بسببها حزن ضميره، ويحزن على ما فعل بنا ذات يوم، فلماذا إذن التشبث بهذه الجثث، وتحميل قلوبنا ما ينهكها ويغرقها في وحل المشاعر السوداء التي يتراءى لونها لنا في لحظة انهيار كما لون قزح؟!

Ad

المضحك المبكي، أن البعض يصر على حمل جثة ما في قلبه، ليتحيَّن أول فرصة سانحة للانتقام منها... وقتلها!

لحظة تمنيناها وفرت بينما كادت تكون بين أيدينا، حب تسرب من بين فتحات أضلعنا في غفلة، شخص أعاد قلوبنا لنا يابسة ذابلة، وقد أخذها منا حبلى فيها السنابل، أمل ضاع في عتمة الطريق، قمر سقط تحت أقدامنا، وانكسر كصحن من خزف، ذكريات كشجر الحنظل، أمنية لن تتحقق، أناس ليسوا على مقاس قلوبنا، هذه بعض ماهية الجثث التي لا تموت، والتي يملأ البعض قلوبهم بها، دون أن يدركوا أنهم يحرثون أرواحهم بها حقولاً من الشوك، ليعيشوا بقلوب دامية.