الراصد للكثير من الأنشطة الإبداعية والأدبية والثقافية خلال السنوات الأخيرة في الكويت، وعلى رأسها الأنشطة الفردية الخاصة، سواء في الملتقيات الثقافية، أو مجاميع الجليس، أو نوادي ومجاميع القراءة، ودور النشر، وجاليرات الفن التشكيلي، وأخيراً المكتبات الثقافية، إن صحت التسمية، يرى بوضوح أن جل القائمين على هذه الأنشطة ومَن يعملون معهم هم من فئة الشباب، وهم يتحركون في أنشطتهم وأعمالهم، مستخدمين آخر ما توصلت إليه تكنولوجيا المعلومات وشبكات التواصل الاجتماعية لخدمة مشاريعهم، الخاصة والعامة في الآن نفسه.

ولأنهم كذلك، فإن المتوقع في السنوات المقبلة هو وجود جيل من الشباب الكويتي الطموح، والذي يتخذ من الإبداع والثقافة عملاً ووصلاً عصرياً مع الآخر، ويتخذها أولوية حياة يمارسها في كل يوم، داخل الكويت وخارجها.

Ad

مرَّت عقود على الكويت، وأدباء بعينهم يمثلون مختلف الأجناس الأدبية، وتلمع أسماؤهم بوصفها الحاضر الأهم على ساحة الإبداع الكويتي والعربي. وحدهم بعطائهم الكريم وحضورهم الإبداعي المستحق كانوا يمثلون الكويت في الداخل والخارج، ووحدهم كانوا يشكّلون الوصل بين الإبداع والثقافة وجمهور التلقي. ووقتها كان المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ورابطة الأدباء، والفرق الأهلية المسرحية، والصفحات الثقافية في الصحف الكويتية، في تنافس وتعاون مخلصين ورائعين لتقديم كل ما هو ثقافي وفني، وكل ما من شأنه أن يُعلي من اسم الكويت، حتى صار الجميع يشير إلى الكويت بوصفها منارة الخليج.

أسماء كثيرة حفرت حضورها الإبداعي بموهبتها وتوقد ذهنها وعطائها في شتى أنواع الكتابة الإبداعية، وكذا في الأعمال المسرحية والفنية والتشكيلية. لكن سرعان ما دارت الحياة دورتها، وتجاوزت الكويت جراح الغزو الصدامي الأسود عام 1990. وولِدت أجيال من باطن فكر جديد، وتوجه جديد، وراحت بموهبتها وعزمها ترسم شيئاً من ملامح سيرها على طريق الكتابة والفن.

ليس من أديب أو عمل فني مبدع يولد دون جهد وفكر وموهبة، وهذا هو حال جمع كبير ممن نرى اليوم من الشباب المبدع والمتحمس والمخلص لعمله. ما عاد الأمر حكراً على هيئة رسمية أو أهلية، ولا على أسماء بعينها، ولا على جنس أدبي بعينه، بل صارت الساحة الثقافية والفنية في الكويت تقدم أسماء جديدة ومتجددة، وصار على أي أديب أو فنان، مهما علت مكانته، أن يقف أمام هذه المواهب الجديدة باحترام وتقدير، وأن يقرأ ويقدّر نتاجها، ومن ثم صار عليه أن يجتهد أكثر، ليثبت وجوده، ويقدم جديداً مبدعاً، كي يستطيع أن يبقى إلى جانب هذه الأسماء الجميلة والجديدة واللامعة.

في نوفمبر المقبل، ستحتضن الكويت الدورة الثانية والأربعين لمعرض الكويت الدولي للكتاب، وسيكون واضحاً لجميع زوار المعرض، التواجد الكبير واللافت لدور النشر الكويتية. وستظهر واضحة تلك التجمعات الشبابية الكبيرة أمام تلك الدور، سواء من قِبل الكُتّاب الشباب الجدد، أو من الراغبين بمقابلتهم وأخذ توقيعهم على كتبهم. صحيح أن هناك مَن يقول إن بعض نتاج الشباب الكويتي متسرع، وبعضه لا يتوافر به الشروط الأساسية للجنس الأدبي، لكن مع هذا هناك نتاج شبابي مبدع يستحق الرعاية والاهتمام والإشادة، ويستحق أن يُشار لصاحبه بوصفه صوت يُنتظر منه الكثير.

إن قيام مجموعة من الشباب الكويتي الجريء بطرق باب العمل في مجال الثقافة والفنون والنشر والجاليريات، وأخيراً المكتبات الثقافية، أحدث ما يشبه الحمى الطيبة بين صفوف الشباب الكويتي، وهذه حمى كم كنا بحاجتها، وكم نتمنى أن تنتشر أكثر بين بقية الشباب!

العمل ممارسة إنسانية مقدسة، أياً كان مجالها، وتكتسب هذه الممارسة تشريفاً أكبر حينما تتوجه للفكر والإبداع والثقافة. لذا، فشكراً للشباب العامل في مجال الثقافة والفنون، وكلنا اعتزاز بعملكم.