يمثل الاهتمام بالتفاصيل، والانتباه لكل ما يأتي ذكره في «الكادر السينمائي»، ركناً رئيساً في صناعة الفيلم السينمائي، بحيث يمكن القول إنه لا شيء يظهر على الشاشة بشكل عشوائي أو ارتجالي، ولابد أن يكون له دلالة ما، وإلا وصمنا الفيلم السينمائي كله بأنه «ارتجالي» و{عشوائي»، وهو الوصف الذي يمكن إطلاقه براحة كبيرة على فيلم «شنطة حمزة»، الذي يفاجئك بمشهد يتعاهد فيه أربعة من النصابين على عدم الخيانة، ونراهم وهم يقسمون اليمين، في لقطة تُذكرك بالمشهد الشهير للضباط الأحرار، الذين قاموا بثورة 23 يوليو 1952، وهم يتحلقون حول مائدة دائرية، ويقسمون بالمصحف الشريف، على المضي في طريقهم الثوري، فحملوا رؤوسهمْ على أكفِّهم، وباعوا أرواحهم، من أجله، وتتوالى أحداث «شنطة حمزة» حتى نصل إلى كلمة النهاية من دون أن نجد ثمة علاقة بين المشهدين!

يستهل فيلم «شنطة حمزة»، الذي كتبه أحمد عبد الله وأخرجه أكرم فاروق، أحداثه بحيلة مبتكرة، يتعرض مواطن (عبد الله مشرف) خلالها لسرقة سيارته في الساحل الشمالي، ويطلب المختطفون فدية لإعادتها، لكنهم يستغلونها لتهريب ثلاثين كيلو من الحشيش، ومنذ اللقطات الأولى يُدرك المتلقي حجم ما وصل إليه إنتاج الفيلم من فقر وهزال، حيث يستغني المخرج عن تصوير أية لقطات في الساحل الشمالي مُكتفياً بلوحة تُشير إليه، فيما تتكرر سرقة السيارة نفسها من مالكها ذاته، من دون أن يبرر المؤلف السبب في هذا التكرار الفج!

Ad

بعدها نتعرف إلى عصابة النصابين، التي يتزعمها «حمزة» (حمادة هلال) وتضم في عضويتها: «أمينة» (يسرا اللوزي)، «زيزو» (محمد ثروت) و{منير» (أحمد فتحي)، ونتوقف عند عمليتهم الجديدة، التي تستهدف الإيقاع بالمحتال «الحمامصي» (سامي المغاوري) صاحب محل الصرافة الذي اعتاد إبرام صفقات مالية مشبوهة، مستغلين نهمه المادي، وجشعه، وذراعه الأيمن «الطحاوي» (ضياء الميرغني)، لتغيير 200 ألف يوان صيني إلى 3 ملايين دولار، ويتقمص «حمزة» شخصية رجل الأعمال الصيني «كيم بولي»، فيما يُذكرنا بأحداث فيلم «أوعى وشك» (2003) تأليف مدحت العدل وإخراج سعيد حامد، وينتهي الأمر بتخدير «الحمامصي»، والهرب بحقيبة الدولارات، وفي وكر العصابة يفوّض أفرادها «حمزة» الاحتفاظ بالحقيبة، وعدم التواصل مع بعضهم البعض لمدة شهرين، في محاولة لتضليل الأجهزة الأمنية، وفي حيلة مبتكرة أخرى يتخلف «حمزة» عن موعد اللقاء الجديد، ويعلم رفاقه أنه يتزوج، وبالذهاب إلى مكان الحفلة ثم شقة الزوجية يكتشف الجميع أنه فقد الذاكرة، في حادث سيارة كانت تقودها «فريدة» (التونسية سامية الطرابلسي)، التي صارت زوجته!

كان من المفترض أن يتحول هذا الجزء من الأحداث إلى أكثر مناطق الفيلم إثارة وتشويقاً وطرافة لكن ما حدث أن قلة الحيلة، وفقر الإبداع، انعكسا على المواقف الدرامية التي جاءت فقيرة، ولا تعرف الطريق إلى الطزاجة، بينما ظهرت بعض الشخصيات مقحمة، مثل شخصية «ألفيس» (طاهر أبو ليلة في أسوأ ظهور)، وشخصية «البروفيسور كريستيانو بشندي» (بيومي فؤاد) المتخصص في التنويم المغناطيسي ومساعده (حسن عبد الفتاح)، باستثناء مواقف خفيفة الظل، وتهريج جميل، فيما بدت أغنية «يا دلع» لحمادة هلال خارج السياق، وأخلّت بالإيقاع، رغم إبهار الصورة (كاميرا أحمد عبد القادر)، بعيداً عن اللقطات القريبة المزعجة وغير المبررة درامياً، بينما لم يكن هناك داع للاستعانة بصور مارلين مونرو في شقة الزوجين «حمزة» و{فريدة»، وكأنها غرفة شاب في مرحلة المراهقة بعكس التكثيف الذكي في الإشارة إلى تعدد علاقات «فريدة» قبل الزواج (صديقتها تسأل: «اتجوزت وائل بتاع الجامعة ولا مدحت بتاع النادي»!).

كعادة الأفلام المصرية، التي تُنتج في الآونة الأخيرة، وظف المؤلف فن «البارودي» للسخرية من بعض الأعمال، لكن في حين جاء استثمار فيلم «العار» لصالح دراما الفيلم، وفي خدمة العمل، بدا توظيف استعراض فيلم «مطاردة غرامية»، فضلاً عن الربط بين قنديل البحر، والمطرب محمد قنديل، سخيفاً وثقيل الدم تماماً، والحال نفسه ينطبق على الاعتماد بشكل مستهلك على الحيلة الدرامية أو TWIST، التي فقدت معناها ودورها وأهميتها في غالبية الأفلام المصرية، تماماً كالأغنية التي لا تضيف شيئاً أو تأتي زائدة عن الحاجة، مثلما حدث مع أغنية حمادة هلال، التي حاولت تلخيص رسالة الفيلم عبر المقطع القائل: "أنا رميت الصنارة وخلاص جات لي إشارة للنقلة الجبارة واللي بأحلم بيه”!