صوّرت فيلم «قضية رقم 23 « في منطقة الاشرفية في بيروت فدخلت مراراً إلى لبنان، ما سبب توقيت توقيفك من قبل الأمن العام في المطار تزامناً مع انطلاق عرض الفيلم؟

أظنّ أن ثمة جهات معيّنة لا تريد بثّ الفيلم في لبنان، لذا حاولت عرقلته من خلال إعادة فتح قضية تعود إلى 5 سنوات، رغم أنها عولجت حينها بوقف عرض فيلمي «الصدمة»، يومذاك أقنعت تلك الجهات الدولة اللبنانية وحققت ما تريد. ربما رسالة فيلمي الجديد أو بعض ما هو متداول فيه لا يُعجبها أيضاً، فحاولت استخدام ملفات قديمة أي فيلم «الصدمة» لإيقاف فيلمي الجديد.

Ad

هل اخترت موضوع هذا الفيلم بهدف إخبار قصة أو الإضاءة على حقيقة مجتمعية معيّنة أو انصاف فريق تعتبره مغبوناً بسبب إنتمائه وهويته؟

هدفي الأساس هو كتابة فيلمٍ سينمائي، فجويل توما وأنا نعمل في مجال السينما الذي هو أكبر بكثير من محاولة برهان شيء أو تغيير شيء ما. ننطلق في كتابتنا من نقطة «أ» ستبلغ النقطة «ب» عبر شخصيات خرافية. فبطل الفيلم «طوني» (عادل كرم) هو رجل مسيحي ينتمي إلى حزب القوات اللبنانية، لديه ولاء مطلق لرئيس الحزب سمير جعجع. وبالتالي سميّت الأمور بأسمائها بصدق متخذاً منذ البداية قراراً بعدم التخفّي وراء الإصبع. إنه فيلم يحكي وجهة نظر رجل مسيحي وآخر فلسطيني بينهما دعوى قضائية إثر تعرّض «طوني» المسيحي القواتي للضرب من قبل «ياسر» المسلم الفلسطيني. فتبدأ القضية من حادثة صغيرة فردية لتصبح، بسبب التضخيم الإعلامي، قضية وطنية تهدد السلم الأهلي في البلاد.

لا تخشى تسمية الأمور بأسمائها في حين يعمد كثيرون إلى تغليف الحقيقة أو تجميلها.

يمثّل «طوني حنّا» فئة كبيرة من المجتمع اللبناني لم يُسمح لها بالتكلّم عن وجهة نظرها ومآسيها، فأردت القول إن المأساة الفلسطينية ليست وحيدة، لأن ثمة مجتمعاً عانى ولم يُسمح له بالتكّلم بل خوّن وخُدع وحُرم من حقوقه.

نحن كسينمائيين نسبح عكس التيّار، وعلينا طرح الأمور كما هي أسوة بدور الإعلاميين أيضاً. لقد اتهومني بالتطبيع، وهذه مهزلة لأن ذلك يكون بين دولتين لا بين فرد ودولة. يقوم التطبيع على بناء علاقة اقتصادية وسياسية واجتماعية بين دولتين. تحدّث فيلم «الصدمة» الذي مُنع في لبنان عن قضية فلسطيني في الأراضي المحتلة، وبالتالي من المفترض أن أصوّر هناك وليس في كندا أو قبرص أو أي بلد آخر، لكنهم اتهموني بالخيانة، لأن فريق العمل ضمّ إسرائيليين ولأنني صوّرت في أراضي فلسطين المحتّلة.

دور الإعلام

استقررت 15 عاماً خارج لبنان، فما الذي حثّك على العودة إليه، رغم تلك المشاكل؟

مهما ابتعدنا لا بدّ من العودة إلى جذورنا، فهنا ترعرعت عشرين عاماً، وهي أكثر السنين تأثيراً في تركيبة الإنسان وتكوين شخصيته. فضلا عن أن ثمة قصصاً في بيروت تتمحور حول خلافات وإشكالات تشكّل مادة دسمة للسينما.

لماذا ترجمت عنوان الفيلم «قضية رقم 23» بـ the insult؟

عندما قدّمنا طلب تصوير الفيلم إلى الأمن العام اللبناني لم يكن لدينا عنوان عربي جاهز فيما ترجمة عنوانه الأجنبي The insult وL’insulte بكلمتي «الشتيمة» أو «الإهانة» غير مناسب لعنوانٍ سينمائي. بعدها بفترة اقترحت مساعدتي تسميته «قضية رقم 23» كونها عبارة مستخدمة في المحكمة حيث تجري أحداث الفيلم. لكننا لم نعمد إلى تغيير العنوان الأجنبي المسجّل سلفاً في الأمن العام لأن ذلك يتطلّب معاملات فحافظنا على العنوانين.

أضأت على دور الإعلام الذي يمكن من خلال تضخيمه للواقع إيصال البلد إلى شفير الحرب الأهلية، أي رسالة يؤديها الإعلام راهناً؟

الأمور متفلتة راهناً على المستوى الإعلامي والدليل ما حدث شخصياً معي عندما تم توقيفي منتصف الليل في المطار ومن ثم إخلاء سبيلي. حينها تلقيت رسالة هاتفية من إحدى الزميلات تسألني عن سبب توقيفي ولم أكن قد غادرت أرض المطار بعد. فيما لبنان يعيش على كفّ عفريت، تأخذ الأخبار الصغيرة مقاييس كبيرة وتنتشر بسرعة. وهذا سبب إضاءتي في الفيلم على دور الإعلام الذي حوّل قضية فردية إلى قضية وطنية أوصلت البلاد إلى شفير الحرب الأهلية، بسبب التضخيم وإعطاء الموضوع بعداً كبيراً في إستغلال الخبر ونشره تحت عنوان «قواتي» يرفع دعوى قضائية على «فلسطيني».

أضأت أيضاً على كيفية سير عملية الاستجواب في المحاكم ودراسة القضايا القضائية، وهو أسلوب شائع في السينما الأميركية تحديداً إنما غير متداول كثيراً في لبنان؟

يولي الأميركيون أهمية للمحاكم سواء سينمائياً أو درامياً، لأن الشخصية الرئيسة التي تحارب خصمها تواجهه في غرفة المحكمة. وقد وجدت أن تركيبة مواجهة الأخصام في قاعة المحكمة تليق بقصة فيلمي. في تلك القاعة فهمنا الماضي وجراحه وسبب الكراهية والحقد بين الشخصيتين الأساسيتين، وفيها تمّت المصالحة أيضاً.

عكست صورة جميلة عن القضاء.

قررت اظهار القضاء اللبناني العادل لأن المشكلة المطروحة في الفيلم ليست مدى نزاهة القضاء وعدالته. لذا أصريّت على أن يظهر القضاء أو طريقة استجواب القوى الأمنية للطرفين أو تدخّل رئيس الجمهورية لفضّ النزاع، عادلا لإحداث توازن بين الطرفين.

هل يتأثر الجمهور بقصص تمسّ الماضي وجراحه أم يُستفزّ؟

كنت متحمساً جداً للعرض الافتتاحي للفيلم في لبنان لألمس ردود فعل الشعب اللبناني الذي يفهم الخلفية النفسية والاجتماعية للنصّ والشخصيات. ساد جوّ من الحماسة في القاعة ومن الضغط النفسي إذا جاز التعبير. عندما انتهى الفيلم علا تصفيق حار فوجدت أن الحضور اندمج مع الموضوع والشخصيات، وأنتظر تجاوب العدد الأكبر عند إنطلاقه في الصالات اللبنانية.

تقدير ومواهب محلية

نلت جوائز عالمية عن هذا الفيلم وعلا تصفيق حار في الصالات الأجنبية، فهل يختلف الشعور بين تقدير الجمهور اللبناني وتقدير الجمهور الغربي؟

ما من تقدير يلغي الآخر فهما متكاملان، لأننا عندما نربح جائزة في الخارج نحمل تقديراً لعمل لبناني هناك وهذا مهم. ثم لا أنكر الإحساس الذي يعتريني عندما أشعر بتقدير محلي عن عمل مكتوب عن لبنان وللبنان، كونه يحمل في طيّاته معاناة المجتمع اللبناني ونفسيته وعقليتّه وكل ما له علاقة بخلفيته.

انتهى الفيلم بمراجعة البطلين لحساباتهما وشفائهما من الماضي والتصالح معه، فهل هي نهاية مرجوّة للعلاقة اللبنانية الفلسطينية؟

هو تمنٍّ فعلا ولكن الأهم هو تصالح اللبناني مع نفسه أولا في ظلّ الانقسام الطائفي والسياسي، فعندما تتحقق المصالحة الوطنية الفعلية بين الأطراف كافة عندها يرتاح اللبناني ويتصالح مع من حوله.

تحدثت عن إخضاع 500 ممثل للكاست لإختيار أبطال الفيلم، فهل أنت راضٍ عن النتيجة التي حققت؟

كان التعاون مع هذا الفريق التقني وهؤلاء الممثلين أجمل خبرة مررت فيها في حياتي. كان الممثلون ملتزمون جداً في العمل، سواء من ناحية حفظ النصّ أو الحضور الجدّي في موقع التصوير، وساد جوّ من الجديّة الفعلية لإتمام التصوير. غالباً ما يسأل المخرج نفسه ما إذا كان حققّ نتيجة مرجوّة من الفيلم إن على صعيد الحوار أو الأداء أو التصوير. صراحة بعدما شاهدت الفيلم قلت في نفسي لقد بلغت القمة.

عبّر الممثلون عن إرتياحهم للعمل معك كونك تفسح في المجال أمام الحوار وتبادل الأفكار.

ساد جوّ من الشغف والالتزام والجديّة في موقع التصوير وسيطر الحوار على العلاقة بيننا، طالما أن العمل كان يسير بشكل جدّي وكما يجب. بصراحة اكتشفت طاقات ممتازة في لبنان وحماسة للعمل النوعيّ، وهذا أمر يريحني لأنه يشجعنّي للمرحلة المقبلة.

ثمة فترة زمنية فاصلة بين الأفلام الاربعة التي قدّمت، لمَ لست ناشطّا سينمائياً في لبنان؟

في حوزتي أفلام مكتوبة تحتاج إلى تمويل، فوضعتها جانباً بانتظار تأمين تمويلها مستقبلا، خصوصاً أن فيلم «الصدمة» لاقى رواجاً خارج لبنان وأتوقّع النجاح لفيلم «قضية رقم 23»، ما سيسهّل تأمين التكاليف المقبلة، خصوصاً مع المنتج أنطون الصحناوي الذي أنتج فيلمي الأخير.

بعد منع فيلم «الصدمة» ومحاربتي قررت الرحيل عن لبنان وعدم العودة لأنني اعتبرت أنه غير مرّحب بي هنا، إنما مهما اعتدى البعض عليّ وحاربني وحاول منع أفلامي، سأظلّ لبنانياً منتمياً إلى هذا الوطن.

تصرف لائق

داً على سؤال حول الخبرة التي اكتسبها زياد دويري من إخراج برامج اجنبية، وهل تشكل إضافة للسينما المحليّة قال: «كلّما قدمنا عملا جديداً اكتسبنا خبرة إضافية وتقدّمنا، وقد طبّقت ما تعلّمته تقنياً في إخراج المسلسل الفرنسي في فيلم «قضية رقم 23».

حول مشاريعه المقبلة أضاف: «أرغب في العودة للعمل في لبنان خصوصاً أن الدولة اللبنانية تصرّفت معي بشكل لائق جداً وحمتني ممن حاول ممارسة إرهابه الفكري ضدّي، وضد الفنانين والمثقفين الذين لا يوافقونه الرأي. تجاوزنا هذه الأمور بعد تصرّف الدولة اللبنانية بشكل لائق مع ما حصل أخيراً، وهي تفهم جيدّاً أهمية ما نحققه للبلد عندما يسطع نجم أعمالنا في المهرجانات العالمية».