شاركنا يوم الجمعة الماضية في مظاهرة شعبية في مدينة الخليل ضد تشكيل مجلس المستوطنين الذين يمثل وجودهم في البلدة القديمة جريمة حرب في عرف القانون الدولي.

وقد جاء الإعلان عن تشكيل مجلس محلي خاص بالمستوطنين بمثابة استكمال لمجزرة القتل البشعة التي نفذها باروخ غولد شتاين قبل ثلاثة وعشرين عاما في الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل، والتي أودت بحياة تسعة وعشرين مصليا فلسطينيا.

Ad

وبدل أن تكون تلك الجريمة فرصة لطرد المستوطنين الإسرائيليين من مدينة الخليل، ولم يكن عددهم يتجاوز آنذاك الثلاثمئة مستوطن، فإنها تحولت بفشل المفاوضين الفلسطينيين إلى ذريعة ليس لتقسيم الحرم الإبراهيمي فقط بل الخليل نفسها، وابتداع مناطق (H1) و(H2) بعد أن قسموا الأراضي المحتلة إلى مناطق (أ) و(ب) و(جـ) من أجل تحويل الضفة الغربية إلى غيتوات ومعازل، في حين يخصص أكثر من ستين في المئة منها لاحتياجات المستعمرين الإسرائيليين.

وهكذا أغلق شارع الشهداء، وأغلقت مئات المحال التجارية، وعزل حي تل الرميدة وغيره وأصبح خمسة وعشرون ألف مواطن فلسطيني في الخليل رهائن لأربعمئة مستوطن يحرسهم ألف وخمسمئة جندي من جيش الاحتلال.

والآن بدأت حكومة إسرائيل ثلاث عمليات متوازية في مدينة الخليل: ضم البلدة القديمة مع المستعمرين المستوطنين لإسرائيل، وتكريس منظومة الأبارتهايد والتمييز العنصري بنمط أسوأ مما ساد في جنوب إفريقيا، ومحاولة تكريس تقسيم مدينة الخليل بتحويل التقسيم من إجراء مؤقت إلى دائم.

ويذكرنا فشل المفاوضين في حالة الخليل بحلول الذكرى الرابعة والعشرين لتوقيع اتفاق أوسلو، الذي ثبت بالوجه القاطع أنه كان فشلا استراتيجيا فلسطينيا أضاع نتائج الانتفاضة الأولى، وأي مراجعة موضوعية لما جرى منذ وقع اتفاق أوسلو سيؤكد الأمر الذي تطرحه إجراءات الاحتلال في الخليل وسائر الأراضي المحتلة، وهي ضرورة التخلي عما فشل– أي نهج المفاوضات والمراهنة على الدور الأميركي- لمصلحة تبني استراتيجية وطنية بديلة ينصب تركيزها على تغيير ميزان القوى بين الشعب الفلسطيني ودولة إسرائيل.

استراتيجية تتبنى المقاومة الشعبية الشاملة، وحركة المقاطعة وفرض العقوبات، وتسخر الإمكانات لدعم صمود الفلسطينيين في وطنهم، وتنجح حقا في إنهاء الانقسام وتشكيل قيادة وطنية موحدة.

لقد كانت تجربة القدس والمسجد الأقصى، حين نجح الفلسطينيون في إلحاق الهزيمة بنتنياهو وحكومته من خلال استعمال سلاح المقاومة الشعبية، خير دليل على أن هذه المقاومة هي السلاح الذي يمكن أن يفشل قرار ليبرمان في الخليل بإنشاء مجلس للمستوطنين والمباشرة الفعلية بإجراءات ضم المستوطنات.

وإذا كانت هناك قناعة بفشل نهج المفاوضات والمراهنة عليها، وإذا كان هناك اقتناع برؤية وفكر المقاومة الشعبية، فإن الفلسطينيين لن يمنحوا احترامهم لأي مسؤول أو قيادي لا يرونه مشاركا في النضال من أجل حقوقهم، وفي مواجهة المخاطر التي تحيط بهم.

الصورة جلية، والطريق واضح، ولن يسقط مجلس المستوطنين الاستعماري في الخليل، كما لن يسقط نظام الأبارتهايد العنصري الإسرائيلي، إلا بالمقاومة الشعبية.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية