"الفساد حلو لهذا نحبه، لكن أرجوكم لا تتعودوا على حلاوته"، من كلمة البابا فرانسيس في نيروبي عام 2015، تلك كانت العبارة التي استهل بها الكاتب روبرت روتبرغ كتابه بعنوان "علاج الفساد.....".

أعتقد هنا في الكويت، ومثلها "الدول الصديقة والشقيقة"، التي نحاسب من أجلها بالسجن والغرامة من أجل أي حرف أو كلمة نقد، نعاني من إدمان حلاوة الفساد، تعود الكثير منا عليه، ومن يرفض إدمانه وحلاوته سيعاني الكثير من الصداع والألم النفسي.

Ad

إذا أردت أن تقضي أي معاملة في دائرة حكومية - أغلبها فاسد - تفكر قليلاً أو كثيراً إن كانت لك معرفة بصديق أو قريب يمكن أن يسهل لك الأمر، تريد أن تجدد جوازك مثلاً، تخشى الانتظار الطويل ساعات وساعات ممتدة، وقد يقول لك الموظف: ناقص صورة بياض أسنانك، بينما ترى الآخرين أهل الواسطة تتقدم معاملاتهم خلف الحاجز دون انتظار، أو قد ينهرك ضابط صغير وأنت تنتظر لأن ملابسك تخالف اللوائح العليا المرعية في مثل تلك الأمكنة المقدسة (حدثت مع صديق)، الأفضل أن تكون لك معارف، أو شخص يقبل "التزييت" حتى لا تعاني دون مبرر، هذا فساد، فساد محسوبيات وهو فساد صغير، لكنه مؤلم للكرامة الفردية، وينهش من حكم القانون، لكم أن تقيسوا بقية قضايانا المزمنة عليها من أصغر الأمور، حين يمشي الموظف الحاكم بأمر الله معاملتك دون وجه حق، أو يرفضها كذلك دون وجه حق، إلى تفصيل مناقصة مليارية أو عطاء كبير على الجماعات المعروفة.

أهم مفاتيح محاربة الفساد بداية ونهاية - كما ذكرت في مقال أمس الأول - هي عند أصحاب القرار السياسي وإرادتهم واقتناعهم بخطره، حين يكونون على يقين بأن مشوار الفساد إن استمر على منواله فسيعجل بنهاية عمر الدولة، فهو يستنزف مواردها المالية، وينمي الشعور بالمرارة وغياب العدالة في الفرص ويخلق اليأس، بالتالي، في نفوس السكان بعد أن أدركوا متأخراً باللاجدوى من النضال ضد قوى الفساد وسرطانه، وانتهوا بحكمة الزعيم سعد زغلول "غطيني يا صفية... مفيش فايدة"، كلها أمور تمهد الطريق، في النهاية، لمتاهات الإرهاب وقبر الدولة في عالم النسيان، هل تتذكرون "دولة" الصومال؟!

القضاء واستقلاله أيضاً يعد من أهم المضادات لسرطان الفساد، كينيا عانت الكثير من الفساد، مثلها مثل الكثير من دول إفريقيا، لكن استوقفني قبل أيام حكم المحكمة العليا الكينية ببطلان انتخابات الرئاسة هناك، خطوة جبارة من قضاة رفضوا أن يتماهوا مع الجهاز السياسي وقوى النفوذ المهيمنة هناك، استقلال القضاء ليس مجرد نصوص خامدة، في كثير من الدول النامية هي مهمة صعبة جداً أن تبعد القضاء عن التأثير السياسي للسلطة أو تجنبه الضغط الاجتماعي، وبقدر استقلال السلطة القضائية، وبعدها عن الإملاءات السياسية المباشرة وغير المباشرة، تتقدم المسيرة لنمو الدولة واستقرارها، ويطمئن الأفراد لحقوقهم وكراماتهم.

الكثير يمكن قوله - طبعاً بحدود المسموح في مثل ظروفنا - عن سرطان الفساد، لكن يبقى على "القلة" أن تناضل كي لا تتعود على حلاوته... هو سم مدسوس في عسل لذيذ سيقتل القادمين من أجيالكم... انتبهوا.