يتابع العرب بلامبالاة، وبعضهم بحسرة وألم، كيف تتحوَّل سورية من الثورة الشعبية ضد الظلم والطغيان إلى حالة الخنوع والاستسلام للاحتلال، وكيف فشل العرب في حماية ذلك الشعب من طغيان نظامه الطائفي وأعوانه، وتآمر المجتمع الدولي عليه، حتى دمره وشتته حول العالم، وترك طاغيته يقصفه بكل الأسلحة التقليدية والكيماوية، فيما كانت تمارس الدول الكبرى، في منظمات ما يسمى بالمجتمع الدولي الدجل، لحماية بشار الأسد ونظامه، بطرق مباشرة وغير مباشرة.

وبينما تعلن منظمات دولية مسؤولية نظام الأسد عن عشرات الهجمات بالأسلحة الكيماوية على المدنيين، كان آخرها في خان شيخون، يعطي العالم ظهره لتلك التقارير، وتعلن عواصم القرار الأهم حول العالم، في باريس وواشنطن وبرلين، أن رحيل الأسد ليس مطلباً للحل السياسي في سورية. وعندما تتكشَّف أيضاً العلاقة بين الميليشيات الشيعية وإيران مع تنظيم داعش، وكذلك دور حكومتي بغداد ودمشق في إطلاق سراح زعمائها من السجون، ليشكلوا ذلك التنظيم، يتجاهل العالم كل تلك الحقائق، ويتكلم فقط عن الإرهاب الجهادي السُني!

Ad

وفعلياً، سيبقى الأسد في الحُكم، بفضل الاحتلال الثلاثي؛ الروسي- الإيراني- الميليشيات الشيعية، وستذهب أرواح السوريين التي زُهقت بقصف البراميل والإبادة بالأسلحة الكيماوية والغرق في البحر في رحلات الهجرة الجماعية سدى، وكذلك عمليات التهجير الجبري بالحافلات الخضراء في سورية - في أكبر عملية تطهير عرقي وتغيير ديموغرافي في التاريخ- دون عقاب، لأنها كانت بمباركة المجتمع الدولي، لخدمة مصالح أمن إسرائيل واستراتيجيات القوى العظمى، لإعادة تفكيك وتركيب المنطقة على أسس جديدة ترتكز على تجمعات أقليات (علويين، أكراد، شيعة، تركمان... إلخ) تماثل طبيعتها الأقلية اليهودية الموجودة بقربها في المنطقة.

اليوم، وبعد خذلان الشعب السوري وثورته، مطلوب من كل مَن "دق الصدر" للثورة السورية ووعد الشعب السوري بالنصر على طغاته وإيران وحزب الله أن يعترف بفشله وذنبه، عندما اندفع في طرد سورية من جامعة الدول العربية والمنظمات العربية والإسلامية، وصوَّر الأمر للشعب السوري على أنها جولة قصيرة من المثابرة والصبر حتى ينال مراده، بينما في الحقيقة كانت مغامرة غير محسوبة العواقب دفع الشعب السوري ثمناً غالياً لها.

اعتذروا للشعب السوري، لأن قضيته أصبحت ورقة تُستخدم في لعبة المصالح وصراعات الملفات الإقليمية في أيديكم، ولأنكم أخطأتم في كل حساباتكم، ولم تعرفوا حقيقة ما كانت تدبره الدول الكبرى لسورية وشعبها، وأن بشار الأسد ونظامه هما أداتان مهمتان لأعداء المنطقة لن يفرطوا فيهما أبداً، وعندما اكتشفتم ذلك متأخراً استسلمتم للأمر الواقع بسهولة ودون مقاومة، وتركتم الشعب السوري وثورته للمجهول.