عملت سنوات طويلة في زيارة اللاجئين والفقراء خارج الكويت، من الهند والأردن ولبنان وإفريقيا وأوروبا، أتتبعهم وأرصد معاناتهم، أنقلها وأكتب عنها، وما كنت أتوقع أنني سأجد جميع ما سبق من فقر ومعاناة في الكويت وبهذا الشكل المخيف.

كانت لي زيارات بسيطة لجليب الشيوخ ورصدت بعض الحالات في الصليبية، وكنت أظن أن المعاناة تختصر في هاتين المنطقتين، ولكن حين فتحت المجال لاستقبال رسائل الأسر المتعففة واستطعت تشكيل فريق تطوعي بزمن قياسي أغلبه من الفتيات، وهو مؤشر مهم على حب الفتيات لفعل الخير وبكل إخلاص، حيث قمنا بزيارة هذه الأسر لرصد الحالات بأعيننا، فوجئنا بكمية الفقر لدى بعض الوافدين وغير محددي الجنسية (البدون).

Ad

تبدأ المعاناة بارتفاع رسوم المدارس التي لا يستطيع الصندوق الخيري التكفل بها جميعا، فبدأت رسائل الاستجداء والرجاء لتسديد هذه الرسوم تتساقط علينا كأمطار غزيرة، لم نستطع حتى النظر إليها لكثرتها، حاولنا ما استطعنا، وكان ما قدمناه ليس إلا قطرة مطر وسط صحراء، فالإيجارات غالية وفرص العمل معدومة لغير محددي الجنسية، والمصيبة تتضاعف في حال وجود شخص مريض أو يعاني إعاقة.

أتمنى أن يتم التعامل مع أوضاع غير محددي الجنسية أو البدون كما يعامل أي شخص لاجئ تحرص الكويت على توفير فرص حياة كريمة له، ما شاهدته في الأسابيع القليلة الماضية يعتبر في بعض الحالات أسوأ من أوضاع اللاجئين الذين زرتهم في بعض البلدان، إذ يحظى اللاجئ بفرص التطبيب والعمل أفضل من البدون أحيانا، وهو أمر محزن حقيقة أن يتم ذلك في بلد هو مركز للعمل الإنساني عالميا.

أيادي الكويت البيضاء تمتد بكل محبة إلى أقاصي الكون، الأمر الذي يجعلنا دوما نشعر بالفخر، ولكن حين قرأت وسمعت وشاهدت هذه الكمية المخيفة من البشر المحرومين من التعليم وفرص العمل شعرت بخجل حقيقي مس أعماقي، وأنا أجد نظرات الحسرة تعتلي وجوههم.

أتمنى أن يتم التعامل مع هذه القضية بشكل إنساني لا سياسي، فتوفير فرص العمل والصحة والتعليم هو حق لكل شخص يعيش على أرض الكويت الطيبة، ويجب أن يتم توفير التعليم الذي يعد السلاح الوحيد للبشر فما بالك بالمحتاج، فهو قارب النجاة؟

قفلة:

رسالة إلى أعضاء مجلس الأمة الكرام، نتمنى منكم أن تلتفتوا قليلا إلى هذه القضية، وألا تكتفوا بإشعال فتيل الفتنة بين الوافدين والمواطنين أو تعرية وزير أخطأ فقط، بل أن تتنوع أدواركم قليلا ليصبح فيها شيء من الإنسانية، كالمطالبة بحق التعليم للبدون والتي من المفترض أن تكون إحدى أولوياتكم.