نظر د. عبد الرضا أسيري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، نظرة تفصيلية شاملة في تاريخ الدبلوماسية الكويتية منذ ظهورها عام 1613 في إقليم خليجي تحيط به الصراعات والإمبراطوريات في الماضي، والاختلافات والتجاذبات الخليجية والعربية والإقليمية في الحاضر، وبذل د. أسيري كل جهده في أن يكون متفائلا متمنياً الخير والتفاهم: وحيثما لم تسعفه الاحتمالات، توقع أقل الشرور!

نجحت الكويت في التفاعل مع إقليمها وفي استخدام أوراقها، فيقول في مقدمة كتابه: "وفي حالة الكويت، على الرغم من كونها تصنف دولة صغيرة في العلاقات الدولية وفقا لمعياري المساحة وعدد السكان، فإنها تمكنت من توظيف ما يتوافر لديها من مقومات، ونجحت في تحويل بعض نقاط الضعف لنقاط قوة، بشكل مكنها من اتباع سياسة خارجية نشطة- إلى حد كبير- بما يخدم الأهداف الوطنية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، كما سعت الكويت إلى اتباع سياسة خارجية متوازنة ومعتدلة مع جميع الأطراف إقليمياً وعالمياً، بعيداً عن الصدامات مع تجنب المواجهات". (ص9).

Ad

وعن جهود من سبقه في تأريخ الدبلوماسية الكويتية، يشير د. أسيري إلى شيء غير متوقع، من ندرة البحوث الشاملة، بعد كل هذه السنوات على تأسيس جامعة الكويت والجامعات الخاصة وإقامة مراكز البحوث والدراسات، فيشتكي في مقدمة كتابه "سياسة الكويت الخارجية: 2016-1991" من ظاهرة "المحدودية الشديدة التي تكاد تصل لحد الندرة في الدراسات المتعمقة التي ناقشت السياسة الخارجية الراهنة للكويت، منذ التحرير حتى الآن". (ص10).

ولا شك أن ملاحظة كهذه تستوقف كل باحث وقارئ، في ظل سيل المقالات والدراسات العربية والأجنبية عن الكويت وقضاياها منذ 1990 حتى اليوم، أي ما يقارب الثلاثين عاما خرجت الكويت خلالها من قرن ودخلت في آخر، وتغير الواقع الدولي بعد انتهاء المعسكرات وزوال الحرب الباردة، ونشوء واقع محلي وخليجي وعربي ودولي جديد، فهل ثمة إهمال من الدارسين أم أن البعض على الأقل ينتظر مرور المزيد من السنين والعقود أو تبلور الأوضاع؟

يدرس د. أسيري المرحلة في 464 صفحة ضمن عشرة فصول، وإن كان الكتاب يبدأ بفصل تمهيدي يدرس سياسة الكويت منذ عام 1613، فيخصص المؤلف فصلاً كاملاً "لدراسة سياسة الكويت الخارجية منذ النشأة حتى الاستقلال 1613-1961"، ثم ينتقل إلى مرحلة الاستقلال الممتدة حتى الغزو، ثم سياسة البلاد الخارجية عقب التحرير حتى الآن.

ولا جدال في أن تقسيمات فصول الكتاب جيدة وشاملة، حيث يبحث د. أسيري في فصول متتالية سياسة الكويت في مجال "الدائرة الخليجية" و"الدائرة العربية" و"الدائرة الإقليمية"، ثم ينتقل إلى الحديث عن "القوة الدولية الكبرى" و"المنظمات الإقليمية والدولية"، مختتماً الكتاب بفصل عاشر يتضمن "رؤية مستقبلية".

يحدد د. أسيري سبعة عوامل توثر في تشكيل سياسة الكويت الخارجية، أولها العوامل الجغرافية، إذ إن حجم الدولة له تأثير كبير على توجهاتها السياسية، وفي حالة الكويت فإنها دولة صغيرة تبلغ مساحتها نحو 18 ألف كم2، وتأتي في المرتبة 158 عالمياً من حيث المساحة، وفي الترتيب 17 عربياً، إذ "تأتي بعدها كل من قطر ولبنان وفلسطين المحتلة والبحرين"، وعن تأثير ذلك يقول:

"وفيما يتعلق بتأثير الموقع الجغرافي على السياسة الخارجية فبشكل عام فرض الموقع الجغرافي بعض القيود أمام الكويت. فمن ناحية أفقدها صغر مساحة الدولة ميزة الدفاع في العمق، بحيث يمكن لجيش سريع الاندفاع في حركة آلياته اجتياح أراضي الدولة في فترة زمنية وجيزة قبل أن تبدأ الدولة في الإعداد للدفاع، كما حدث في خبرة الغزو العراقي للكويت سنة 1990. ومن ناحية ثانية، ووفقاً لأحد الباحثين، تقع الكويت وسط مثلث جغرافي أضلاعه الثلاثة، دول كبرى في المنطقة، وهي العراق وإيران والسعودية. وهو ما يتطلب من السياسة الخارجية البقاء في وسط هذا المثلث والحفاظ على علاقة جيدة مع الأطراف كافة خصوصا في أوقات العداء أو التنافر السياسي بين الدول الثلاث".

أدركت الكويت المشاكل الاستراتيجية لموقعها وحاولت التعايش معها، ويقول د. أسيري إن هذا لم يكن سهلاً على الدوام: "وعلى الرغم من نجاح الكويت في أحيان كثيرة في تحقيق هذا التحدي الصعب على دولة صغيرة بحجم الكويت، فإن التحدي الأكبر برز عندما احتفلت الأطراف الإقليمية وتصارعت بعضها مع بعض، وتطلب ذلك من الكويت الانحياز لطرف دون آخر وهو ما شكل خللا في هذا التوازن. وأبرز مثال يمكن الإشارة إليه في هذا السياق الحرب العراقية- الإيرانية خلال الفترة (198٠-1988). فخلال الحرب مالت الكويت باتجاه الضلع العراقي على حساب الجانب الإيراني، وقد أثر ذلك على المصالح الوطنية بشكل مباشر، حيث تضررت الكويت من موقفها هذا، وكان البديل الأنسب للخروج من هذا المأزق هو اللجوء إلى طرف دولي أقوى من خارج الإقليم لحماية المصالح الكويتية". (ص31).

ثاني عوامل تشكيل السياسة الخارجية للكويت هو "العوامل الاقتصادية": وللدكتور أسيري ملاحظة في بعض مستلزمات تأثير هذا العامل في الواقع السياسي، فيقول:

"توافر الموارد الاقتصادية وحده ليس كافياً، إذ لا بد من توافر مستوى معقول من التحديث لتحويل تلك المواد لعنصر قوة في السياسة الخارجية للدولة، فمستوى التنمية الاقتصادية بالدولة له تأثير كبير على سياستها الخارجية". (ص33).

ويرى أن الكويت قد نجحت في توظيف ما تمتلكه من موارد نفطية للتقليل من التهديدات الخارجية وحتى فبراير 2017، بلغ إجمالي قيمة القروض المقدمة من خلال "دبلوماسية الدينار" والصندوق الكويتي للتنمية نحو عشرين مليار دولا استفادت منها 106 دول، إضافة الى تقديم منح بقيمة 71.44 مليون دولار ومعونات فنية بقيمة 86.26 مليون دولار.

ويضيف: "وفي ضوء ما شهدته المنطقة في أعقاب ثورات الربيع العربي، لعبت الكويت دوراً مهما في دعم استقرار المنطقة، ويعد النجاح الأبرز في هذا الشأن التعاون الثلاثي السعودي- الإماراتي- الكويتي لدعم مصر عقب سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر في عام 2013، وإجمالاً، يلاحظ أن الكويت في هذا السياق تتحرك وفقا لموقف المسؤولية الدولية أكثر من التركيز على المصلحة الوطنية". (ص 36).

ثمة عوامل أخرى سنتناولها في المقال القادم.