بدأ إنتاج النفط في الكويت بعد الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين بدأ يتراكم الدخل، وإلى فترة الستينيات كانت للكويت مساهمة جدية في تشغيل القطاع النفطي، وتم البدء بعد تأميم القطاع النفطي في سبعينيات القرن الماضي بإدارته ذاتيا، إذ أصبحت لدينا شركات وطنية للنفط.

واليوم وبعد أكثر من 50 سنة من تاريخ الصناعة النفطية في الكويت والمنطقة، يجب أن نسأل أنفسنا: ماذا حققت الكويت من مساهمات في قيادة هذه الصناعة في العالم؟ حيث إن 70 في المئة من احتياطي العالم موجود لدى دول «أوبك»، ويفترض بعد هذه الفترة من استحواذها على الصناعة النفطية أن تقود الصناعة النفطية العالمية. لكن أين نحن من تصميم المصافي وتقنيات الاستكشاف والاستخراج والبحوث الخاصة بالبترول؟

Ad

فالإجابة تأتي «نحن متأخرون جدا»، والسبب أنه لم توجه سياسات القطاع النفطي جزءا من ريع النفط الى تطوير التقنيات من خلال إنشاء مراكز أبحاث على مستوى عالمي، حيث اعترف أحد قياديي البترول في وقت سابق بأن الكويت لم يسبق لها أن عملت في مجال مراكز الأبحاث، وليست لديها خبرة في ذلك، لافتا إلى أن القطاع النفطي يدرس الاستعانة بمكاتب استشارية لديها الخبرة في هذا المجال، علما بأنه إلى الآن لم يتم انجازه.

ثمن باهظ

وقد كان يفترض بالدول الخليجية، وبالأخص الكويت، بعد تلك الفترة، أن تقود الصناعة والتقنية النفطية في العالم، لكن لم تنجح حتى الآن! ويرجع السبب الى أن لم يوجه القدر الكافي للاستثمار البعيد المدى في تطوير التقنيات النفطية التي يمتلكونها، ولاتزال تتم الاستعانة بالتقنيات النفطية حتى الآن من الدول الأخرى، ويُدفع ثمن باهظ لذلك، وخير مثال على ذلك الحادث الأخير لتسرب النفط في بحر الكويت الشهر الماضي، حيث لم يتم الكشف عن مصدره، إضافة الى أن العينة تم إرسالها الى الخارج.

تطور هامشي

ومع التسليم بالتطور الكبير الذي حققته بعض الشركات الوطنية في مجال عمليات الاستكشاف والانتاج والتكرير، فإن حجم المساهمة في تطوير تقنيات الصناعة النفطية مازال هامشيا، لذا لابد للصناعة النفطية أن تعدل من استراتيجياتها وتعمل على زيادة الإنفاق على البحث والتطوير من خلال المؤسسات الوطنية (الجامعات والبحوث) ومراكز البحث المتخصصة (لشركات النفط الوطنية) مع تفعيل الشراكات مع مراكز البحث والتطوير العالمية لتقنيات صناعة النفط.

ويطالب بعض خبراء النفط بالنظر من جديد في وضع وتنفيذ خطط استراتيجية طموحة لزيادة دورها في تطوير تقنيات النفط والوقود النظيف، ومضاعفة دعمها للبحث والتطوير، مشيرين الى أن الشركات العالمية تنفق اكثر من 5 في المئة من اجمالي دخلها واحيانا 10 في المئة على البحث والتطوير.

وللتأكيد على تأخر صناعة النفط بعد أكثر من 50 سنة في الكويت تحديدا هو اقتراح مؤسسة البترول الكويتية لمشروع المنطقة النفطية، حيث تمت مناقشته مع الهيئة العامة للصناعة، والهدف منه أن تتركز في المنطقة الصناعات النفطية المرتبطة بالمواد الخام البترولية. وان تلك المنطقة في حال تنفيذها بعد تخصيص الأرض ستفتح آفاقا كبيرة أمام الصناعات النفطية في الكويت.

عامل مهم

وأشاروا الى أن المنطقة النفطية يمكن ان تكون فيها نسبة للقطاع الحكومي، إلا أن معظمها سيكون للقطاع الخاص كي يستفيد من المواد الخام، وستنجح تلك المنطقة بسهولة لتوافر المواد الخام بالكويت، وهي النفط والمشتقات النفطية.

إذا التفكير في الصناعة النفطية وتطويرها يحتاجان الى أكثر من 50 سنة، رغم توافر الإمكانات المادية والموارد الطبيعية، بينما الشركات الصينية والكورية واليابانية التي لا تمتلك البترول تعد من أكبر الشركات في صناعة النفط بالخليج، فكم نحتاج من الوقت للوصول الى مصاف هذه الشركات؟

ومع كل هذه الأمنيات في تطوير صناعة النفط، يدخل عامل مهم يراه المراقبون نوعا من عرقلة تطور الصناعة بشكل عام والنفطية بشكل خاص، وهو «الصراعات السياسية» «والصراعات بين القيادات النفطية» التي امتدت انعكاساتها لتشمل تدهور أحوال بعض الشركات الاستثمارية، وهدر حقوق القطاع الخاص والمشاريع التنموية والصناعة الكويتية، فضلا عن منح الأراضي الصناعية بالشكل المطلوب، فقد طالب بعض الاقتصاديين بتجديد القوانين والتشريعات لتعزيز البيئة الاستثمارية الكويتية، مؤكدين ان قوانين كالاستثمار الأجنبي والـ «بي أو تي» يعانون الخلل وتأثيراتهم باتت ملموسة.

كما أوضحوا أن هناك «فسادا» موجها من بعض الجهات المعنية لمحاربة الشركات الصناعية، وبالتالي تعزز من طغيان دور الحكومة على القطاع الخاص، مشيرين في الوقت ذاته الى أن دعم الصناعة سينتج عنه تنوع بمصادر الدخل الى جانب النفط، الأمر الذي سيصب في مصلحة الدولة ككل، مشددين على الحاجة الماسة إلى البدء في مراعاة صنع المنتج الكويتي الثقيل، بغية تعزيز الإيرادات الى جانب النفط.