تطالبني أن أكفّ عن كتابة الموضوعات الثقافية والجادة، فالقارئ لا يستسيغ هذا النوع من الكتابات، وبالتالي فأنت ترى أن زاويتي هذه ليست لها شعبية ولم يعد يقرأها أحد، وأنك لولا ارتباط الصداقة بيننا لما قرأتها بسبب ما تحتويه من موضوعات مملة حافلة بأسماء معقدة لفلاسفة أجانب، ومفكرين وكُتاب، وقصص تاريخية لا أحد يعبأ بها!

وقلتَ لي: أنت يا نجم تتمتع بخفة ظل، وعندك روح دعابة وسخرية، فلِمَ لا تسخر هذه الموهبة في كتابة زاويتك؟!

Ad

هذا ملخص موجز لمكالمة هاتفية مع صديق عزيز!

والذي يبدو لي أن صديقي لا يفرق بين الخاص والعام، فنحن عندما نكون معاً في حياتنا الاعتيادية نركن إلى شيء من الراحة والدعة لننطلق على سجيتنا، بحيث نتخطى كل الحواجز والمحظورات التماساً للحظاتٍ نأنس بها ونفر فيها من أثقال هموم الحياة التي تكتنف واقعنا؛ فنضحك، ونمرح، ونسخر، ونغني، وكلٌّ منا يستعرض كل ما في طاقته من مواهب خاصة يتميز بها، وأكثرنا لفتاً للانتباه في مثل هذه الجلسات صديقي هذا الذي هاتفني، لهذا السبب أشرت إلى عدم تفريقه بين الخاص والعام!

الكتابة يا صديقي مسؤولية عامة وأخلاقية، وليست جلسة مسامرات بين أصدقاء يتناسون فيها همومهم، هي الهم الحقيقي، والوجع المزمن للكاتب، فلا يمكن الخلط!

أما قولك إن الموضوعات الثقافية لا تلقى صدى عند القراء فهذا ما يضاعف مسؤوليتي ككاتب، ولهذا أحرص على كتابة ومضات متنوعة ما بين الثقافة والخواطر والذكريات والقراءات، مع تسليط الضوء على بعض الرموز الإنسانية في شتى مجالات الحياة، وكذلك المواقف الإنسانية.

علمت من إدارة "الجريدة" أن معظم قُراء زاويتي من كبار السن، فالشباب لا يلتفتون إلى ما أكتب، وهذا ما أشرتَ أنت إليه في مكالمتك، باعتبار أن شبابنا غير مكترث بالثقافة.

يا صديقي تصدر في الكويت أكثر من عشر جرائد يومية، وكلها تحفل بآراء عشرات الكتاب، وإذا استثنينا قلة قليلة من الأقلام المتميزة فسنجد أن الغالبية العظمى تكرار لذات الموضوع الواحد والممل، أضرب لك مثلاً بكاتب يكتب منذ أربعين سنة زاوية يومية لم يخرج عن دائرة مشاكل المرور والخدمات الصحية ومعاملات الناس في الوزارات، تخيل... تخيل منذ أربعين سنة وهو على هذه الحال!

فإذا أحببت يا صديقي أن أضرب بديكارت عرض الحائط، وأمسح من خارطتي الموسيقار موزارت، وأجعل من سقراط نسياً منسياً، ولا أفكر أبداً في جان جاك روسو، وأدع هذا القليل القليل من الجرعات الثقافية جانباً لأن الجمهور "عايز كدة" فستكون بذلك يا صديقي قد حكمت عليَّ باعتزال الكتابة!