تحتاج العلاقات الإنسانية بمختلف أطيافها إلى أن تتنفس قليلاً بين الحين والآخر، وذلك عن طريق ترك مسافة وفسحة للاشتياق، فالمسافة هي وقود العلاقات الإنسانية الذي يشعل فيها التجدد والحياة، المسافة فن، وحسن تقديرها مهارة، وهي سر بقاء العديد من العلاقات الاجتماعية على قيد الحياة لسنوات طويلة، قد تكون كثرة الوصال والإفراط في القرب سبباً في البرود والرتابة واختلاق المشاكل من العدم، فيصبح لها تأثير عكسي شبيه بكثرة الابتعاد، لذا فلا بد من معرفة التوقيت المناسب للانسحاب.

المسافة خفة، فليكن مرورك على أحبابك كما الريشة، واخفض من سقف توقعاتك، بل الأفضل من ذلك هو نسف ذلك السقف تماماً! فتوقعاتنا من الآخرين ما هي إلا تمهيد لخيبة أمل كبرى، لا تكن كثير المطالب والشكوى، فقد تثقل على الآخر دون تقدير لظروفه وإمكاناته فيتحاشاك. لا تطل في زيارتك، بل ارحل قبل أن يملّوك! اجعل ما بينك وبين أحبابك فسحة، فتزرع بذلك بذور الأشواق وحماس اللقاء القادم، وما يحمله من سعادة وسمر.

Ad

لا تخف! ولا تقاوم ابتعاد الآخر، بل استبدل خوفك بالتفهم والتقدير، فنحن نخشى المسافات والفراق لأنها قد تعني النهاية في بعض الأحيان، لكن ما يجب إدراكه هو أن الأجواء الخانقة والمتطلبات اللانهائية وضعف الاستماع للآخر هي الأسباب الأساسية لموت العلاقات.

قم بتغذية ذاتك عن طريق تنمية استقلاليتك وممارسة الأنشطة الشغوفة التي تحقق لك الإشباع، بدلاً من طلب هذا الغذاء الروحي من الآخرين، فأنت إن طلبته من غيرك جعلت نفسك تحت رحمة ظروفهم وأوقاتهم وأمزجتهم، قم بقضاء وقتك معهم ليس لأنك بحاجة لهم، بل لرغبة منك في ذلك، فتلك هي أعلى صور الاستغناء.

«غنّيا وارقصا وامرحا معاً، ولكن ليخل كلٌ إلى شأنه، فإن أوتار القيثارة مشدودة على افتراق، وإن خفقت جميعاً بلحن واحد». (جبران خليل جبران).