لعلها من الأمور الصعبة أن تكتب عن صديق رحل بصورة سريعة دون مقدمات إلا بضعة أشهر من المرض. هي مسألة صعبة لأنها يختلط فيها الشخصي بالعام، والمشاعر بالقيمة، والعاطفة بالموضوعية. ومع ذلك فإن الحديث عن جهاد الغربللي تتماهى فيه بسهولة الحقيقة مع العاطفة، فقد كان واضحاً دون تكلف.

فجهاد الغربللي كان من أولئك الرجال الذين تخسرهم في غيابهم، سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى المجتمع والوطن، أو على مستوى القيم الإنسانية العامة.

Ad

كان جهاد من أولئك الناس الأذكياء، الذين يضعون الفكرة ويحللونها في إطار وقالب إنساني عام، ومنها يصل إلى خلاصاته، عبر تحليل متكامل، متوازن، دون تجن أو مبالغة.

في حياته الخاصة كان إنساناً راقياً، يذهب بعيداً في مساعدة الناس، حتى أولئك الذين لا يعرفهم، بشكل يثير الاستغراب لمن لا يعرف تلك القيمة. شهدته يقوم بجهود مضنية لمساعدة إنسان ضعيف، تم الاعتداء على حقه، والحديث في ذلك يطول، فالقائمة لا تنتهي.

لابد من الحديث عن جهاد الإنسان، الذي صمد في الدفاع عن وطنه، ففي فترة الغزو كان جزءاً أساسياً من فريق الطوارئ الطبية الذين لم يسلط الضوء على ما فعلوه حتى الآن. كم تعرضوا للمخاطر، وكم أنقذوا بشراً وكم وكم وكم. تشاركنا في تلك المسائل بتنوعها وتعددها.

أما في المجال الرياضي فقد كان موسوعة قانونية وإدارية، ومثل قدرات نادرة في ذلك الوسط الضائع.

رحيل أبوفيصل في هذا الزمن الذي تهيمن عليه أصوات التطرف والتمييز والاستقطاب هو رحيل صعب، فمثل جهاد قليلون، ولذلك نجد البلاد تسير إلى ما لا تحمد عقباه.

سنفتقده كأصدقاء كل ثلاثاء، بعد شهور من مقاومته المرض اللعين، كما ستفتقده رفيقة دربه أم فيصل وأولاده وأهله وأصدقاؤه ومحبوه.

سنفتقد رجلاً محباً لوطن حر يتمتع فيه الجميع بحقوق متساوية، مجتمع تنتشر فيه العدالة، سنفتقد الرقي في النقاش، والوضوح في الرؤية، وتاريخاً وطنياً مشرفاً. بالطبع يكون رحيل جهاد صعباً في هذا الزمن الذي نحتاج إلى وجوده فيه، رحيله صعب على القريبين منه لمحبة تجذرت عبر زمن فاق الأربعة عقود. نسأل الله أن يصبرنا على فراقك، و"إنا لله وإنا إليه راجعون".