ما مدى عدم استقرار الرئيس ترامب وانفصاله عن الواقع؟ بلغنا مرحلة يحق فيها للأمة أن تعرف ومن الضروري أن تعرف.

لم نعتد طرح أسئلة مماثلة عن رئيسنا، ولا نعرف حتى السبيل إلى البدء بالتحقق من صحة الرئيس العقلية، لذلك نعتبر أي سلوك غريب جزءاً من استراتيجية ذكية، فنقول مثلاً إن ترامب يسعى بذكاء إلى استرضاء قاعدته، إنه يعتمد نظرية "الرجل المجنون" في العلاقات الخارجية، أو إنه يحاول بكل بساطة التصرف بشكل غير متوقّع ليظل متفوقاً ويبقي الجميع في حيرة.

Ad

وضع ممثل تينيسي الجمهوري السيناتور بوب كوركر إصبعه على الجرح عندما أعلن أن ترامب "لم يتمكن بعد من الإعراب عن الاستقرار أو بعض الكفاءات" اللذين يحتاج إليهما الرئيس، أما الديمقراطيون فقد عبروا عن رأيهم ببساطة أوضح، فذكر النائب آدم شيف: "أعتقد بالتأكيد أن ثمة خللاً ما في قدرات الرئيس"، وكتبت نائبة كاليفورنيا جاكي سبير في إحدى تغريداتها أن ترامب "يعرب عن إشارات إلى سلوك غريب وعدم استقرار عقلي، معرضاً البلد لخطر كبير".

ذهبت سبير إلى حد الدعوة إلى اتخاذ خطوات عملية بموجب التعديل الخامس والعشرين، الذي يسمح لنائب الرئيس والحكومة بإعفاء الرئيس من "صلاحياته وواجباته" إذا كان عاجزاً عن الاضطلاع بها.

لا شك أن أداء ترامب قبل أيام في أعقاب حادثة شارلوتسفيل مقلق، ولا تكمن المشكلة في ما قاله فحسب، بل في طريقة تعبيره عنه، فبعد أن ألقى مسؤولية العنف، الذي أدى إلى موت هيزر هيير (32 سنة)، على "أطراف عدة"، بدّل ترامب مساره ودان النازية الجديدة وخصوصاً منظمة كو كلوكس كلان، إلا أنه بدا أشبه برهينة مترددة في فيديو طلب الفدية. ثم عاد ترامب إلى إلقاء اللوم على "الجانبين" في ما لا يمكن وصفه إلا بنوبة من الكلام المحتدم الغاضب.

يواجه أي إنسان يوماً سيئاً، ولكن تشير تقارير كثيرة نُشرت إلى أن ترامب يثور غضباً غالباً، وخصوصاً عندما يشاهد ما لا يروق له على برامج محطات الكابل الإخبارية التي يُقال إنه يشاهدها قسراً.

في تغريداته على "تويتر"، تزداد نوبات غضبه التي يفجرها بطرق تقود غالباً إلى نتائج عكسية، فألاحظ نهجاً وراء تنديده المستمر بـ"الأخبار الزائفة" قد يساعده في التعاطي مع قاعدته، ولكن ما الداعي لمهاجمة زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ، ممثل كنتاكي الجمهوري ميتش ماكونيل، الذي يحتاج الرئيس إلى مساعدته إذا أراد تمرير تشريع ما أو تعيين مرشحين؟ وما الدافع وراء الحملة التي شنها ضد ممثل أريزونا الجمهوري، السيناتور جيف فلاي، الذي دعم في نهاية المطاف برنامج ترامب للرعاية الصحية، مع أنه لطالما انتقده؟ أيعجز ترامب عن تخيل ما سيكون رد فعل أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الآخرين، الذين يحتاج إلى كل أصواتهم إذا أراد تحقيق إنجاز ما؟

تحدثتُ إلى أناس يعرفون ترامب منذ عقود، وأكدوا لي أنه تبدّل، فيشير معارفه القدماء هؤلاء إلى أنه يعرب عن مقدار أقل من الوعي الذاتي والقدرة على التركيز المستمر، ويتجلى هذا الواقع بوضوح عندما نقارن مقابلات تلفزيونية أجريت مع ترامب قبل سنوات ومقابلاته راهناً، فقد بدا لي أنا الإنسان العادي أن التراجع واضح.

لا أملك المؤهلات اللازمة لأقيّم صحة الرئيس العقلية، أما علماء وأطباء النفس، الذين يتمتعون بالمؤهلات والخبرة الضرورية، فيلتزمون الصمت الذي تفرضه عليهم القواعد الأخلاقية، لكن المخاطر كبيرة، مما يحمّل المسؤولين الذين يعملون مع ترامب ويراقبونه عن كثب مسؤولية ضخمة. ثمة اختلاف كبير بين أن يبدو الرئيس غير متزن كما الرئيس الكوري كيم يونغ أون وأن يكون غير مستقر بالفعل.

نشعر ببعض الراحة لأن ترامب محاط برجال عسكريين متزنين من غير المرجح أن يقدموا على عمل متهور، أمثال وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، وكبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي، لكنهم ليسوا منتخبين.

من المزعج أن نتحدث عن صحة الرئيس العقلية، ولكن في مرحلة مماثلة من التهور ألا نقوم بذلك.

* يوجين روبنسون

* «واشنطن بوست»