قال تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ". (99 يونس).

قبول فكرة التعددية والتعايش السلمي جاءت متوافقة مع الفطرة البشرية والأديان السماوية، حيث أدركت المجتمعات المدنية أهميتها باعتبارها ضرورة وركيزة للاستقرار والتعايش السلمي، فعملت جاهدة على نشر ثقافة احترام الرأي والرأي الآخر وفرض القانون لتفعيلها متى ما دعت الحاجة.

Ad

صحيح أن المشرع الكويتي عند كتابة الدستور لم يمنع صراحة وجود الأحزاب، ومع ذلك لم يأت على ذكر الأطر العامة لتنظيم العمل فيها، وكأنه تركها لعامل الزمن لتحديد مصيرها وفق قدرة المجتمع على التطور والنضوج الفكري في مواكبة التغير الديمقراطي، على أمل الخروج من عباءة النزعات القبلية والمذهبية إلى فضاء الحرية والديمقراطية الحقة.

حذر الشارع من إشهار الأحزاب والتكتلات يسوده الخوف، خصوصا من جراء تخندق بعضها حول الأيديولوجية المذهبية، والبعض الآخر لا يحظى بالقبول الشعبي بسبب إغلاقه الباب على نفسه، فلم يستطع الوصول إلى الشارع والبعض الآخر جاء على شكل تكتلات نخبوية ظهرت في ظروف تحكمها المصلحة، وخرجت عند أول موجة تنفيع.

رغم مرور ما يقارب خمسة عقود على بداية الحياة البرلمانية فإن هناك من يطالب بإغلاق الجمعيات أو إخضاعها لنمط معين من العمل السياسي، مما يدل على أن قضية المطالبة بتفعيل العمل الحزبي مازالت في بداية الطريق، ومازال المجتمع يبتعد كثيراً عن روح الديمقراطية وفكرة التعددية الفكرية وحتى حرية الاعتقاد.

على الرغم من البعد التاريخي للموروث الاجتماعي والثقافي الذي قلما تجده في المنطقة فإن الاستثمار فيه لم يرق إلى الطموح، وللأسف فالشواهد على عودة المجتمع إلى الخلف وتفشي ظاهرة الغلو التي تظهر في أوج صورها عند نتائج الانتخابات يبدو واضحاً، فمنذ تنظيمها تجد التحالفات القبلية والطبقية والمذهبية الأكثر حضوراً حتى انسحب هذا الأمر على الانتخابات الطلابية بشكل مخيف، فالقبيلة تزكي فلاناً والطائفة تزكي فلاناً والحزب الفلاني يدعم القائمة الفلانية، فأي عمل حزبي ننتظر وإلى أي مصلحة وطنية نريد أن يصل إليها جيل الغد؟

من المؤسف أن تكتفي مؤسسات التعليم بمتابعة سير الانتخابات الطلابية دون مراقبة ما يسبقها من تزكيات لا أراها إلا معول هدم في جسم الديمقراطية ومسيرة التقدم الحضاري للدولة المدنية.

المجتمع لم يعد بيئة مناسبة لنشر ثقافة التعددية، فهو وبدلاً من نشر ثقافة فكرة القبول ذهب يهرول وراء مسابقات المزايين والشيلات، وكأنه يريد استبدال الدولة المدنية بدولة القبيلة والطائفة.

فهل قدّرنا ذلك الموروث الاجتماعي واستفدنا من وجود سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد، أطال الله في عمرهما، في نشر ثقافة التسامح والتواضع والتواصل الاجتماعي؟ وهل كنّا ممتنين ومقدرين فعلاً لعبارة "هذولا عيالي" بالمعنى العام والخاص التي يمارسانها كل يوم عبر تواصلهما مع أبناء الشعب الكويتي؟ وماذا لو كثف إعلامنا جهوده وجعل قضية الوحدة الوطنية والتعددية المذهبية والفكرية قضية محورية، خصوصاً بعد أن لمسنا أصالة المعدن الكويتي وتلاحمه عند تداعيه لخبر وفاة المرحوم عبدالحسين عبدالرضا، واستشهاد الدكتور وليد العلي والشيخ فهد الحسيني، وكيف كان رد الفاضل والد الدكتور وليد على سمو الأمير، حفظه الله، عند مواساته له "الحين عرفت معنى هذولا عيالي".

ودمتم سالمين.