أنا مهتم جدا بالمقارنة بين ماضي الكويت وحاضرها، وكلامي ليس عما قبل النفط وبعده، بل عن مرحلة ما قبل الغزو العراقي وبعد التحرير، ولأني كنت صغيراً في تلك المرحلة فإن سلوكيات الناس وطبيعة العلاقة بين أفراد المجتمع أستقيها بشكل أساسي من وسائل الإعلام المختلفة التي وثقت تلك الفترة بشكل جيد جدا في اعتقادي.

فعندما ألقي نظرة على تلك المرحلة، أي المرحلة الممتدة لعشرين عاماً قبل الغزو العراقي، أجد أن السمة الغالبة على ذلك المجتمع هي حفاوة الترحيب بالأجنبي، والثقة بالآخر كانت أكبر وأوضح وإن زعزعتها أزمة المناخ نوعا ما، والنية الصافية تسود الكثير من النفوس، ولأدلل على ما أقول بخصوص هذه النية الصافية أقتبس مثالاً من زميلة عزيزة نبهتني إليه.

Ad

إليكم المثال: لو كُنتُم أعضاء في لجنة الرقابة بوزارة الإعلام اليوم وعرضت عليكم فكرة مسلسل يدور حول تجسس الأم على غرف نوم الأبناء وزوجاتهن من خلال كاميرات مزروعة في تلك الغرف، فهل ستجيزون هذا العمل في وقتنا الحالي؟

تلك هي فكرة واحدة من أجمل مسلسلاتنا الكوميدية الهادفة "خالتي قماشة"، والتي قد ترفض رقابيا اليوم خشية سوء الفهم.

عموما، فإن ما لاحظته في مرحلة ما بعد التحرير بأن النفوس تغيرت، وهو ما انعكس على ما يوثقه الإعلام أيضا لتلك المرحلة، فقد بات الإعلام يتداول الجرائم المختلفة وانتشار الأعمال الدرامية التي تتناول قضايا المخدرات والنزاعات الأسرية، وأصبح الشعب أقل ودّاً للأجنبي وغيرها من طباع سلبية، والنقطة الفاصلة ما بينها وبين الطباع الإيجابية هي تجربة الغزو العراقي.

شعب تعود على السلام فوجئ بين ليلة وضحاها بغدر جاره وانقلاب بعض أصدقائه عليه، تذوق التشرد في الخارج وشاهد القتل والتعذيب في الداخل فجأة ومن دون مقدمات تذكر. ورغم هذه الصدمة القاسية على نفوس الجميع لم تفكر الدولة في إعادة تأهيل الناس في مرحلة ما بعد التحرير، فتعاطت مع الوضع على أنه تجربة مريرة حلت بِنَا والسلام، دون مراعاة لما غرس في نفوسنا من هذه التجربة، وكيف ستنعكس على سلوكياتنا مستقبلا.

تلك الغلطة الفادحة بعدم تأهيل مجتمعنا كاملا بعد التحرير ما زلنا نعيش تبعاتها اليوم في سلوكياتنا وتعاملنا وتصرفاتنا بعضنا مع بعض.

لا أطرح في هذا المقال أي علاج لأَنِّي لا أملك إعادة الزمن، ولكن أشارككم ما أعتقد أنه سبب رئيس لكثير من سلبياتنا اليوم.