قد ينطوي اعلان بسيط صدر في الأسبوع الماضي على مؤشر حول المعركة الكبرى المقبلة في جهود الصين للسيطرة على ديونها. وفي الثاني من شهر أغسطس الجاري أصدرت وزارة المالية الصينية تعليمات تقضي بتحسين الشركات المملوكة للدولة لعوائدها، والسيطرة على المخاطر والتأكد من أن "المشاريع ملائمة من الوجهة المالية قبل اتخاذ القرارات".

إن شعور حكومة بكين بالحاجة الى اعلان مثل هذه الأهداف الواضحة يخبرنا بعمق مثل هذه المشاكل، وربما تكون الشركات الصينية المملوكة للدولة التي تقوم بتشغيل الملايين من العمال والموظفين في شتى ميادين الاقتصاد العقبة الأكبر أمام جهودها الأوسع في الاصلاح المالي. وكانت محاولات سابقة للسيطرة على هذه المشاكل قد فشلت الى حد كبير، ولكن اذا كان لدى الحكومة أي أمل في التأثير على هذا القطاع فيتعين أن تكون هذه المحاولة مختلفة بكل تأكيد.

Ad

يذكر أن المشاريع المملوكة للدولة ضخمة للغاية، وكذلك مسؤولياتها القانونية وهي مسؤولة عن ديون شركات غير مالية تعادل 90 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، ونظراً لأنها تواجه ضغوط منافسة محدودة فقد دُفِعت الى أسوأ زيادة في ديون الصين والتي تمثلت في العوائد على أصول هذه الشركات في السنة الماضية والتي بلغت نسبة تافهة من 2.9 في المئة مقارنة مع 10.2 في المئة في القطاع الخاص.

وأحد الأسباب الكامنة وراء ذلك أن الصناعة المصرفية في الصين، التي تكاد أن تكون هي الاخرى مملوكة للدولة بشكل شبه حصري، تقدم القروض الى المشاريع المملوكة للدولة وهي تتوقع أن تلك القروض سوف تتمتع بضمانات حكومية ضمنية، وتوفر المشاريع المملوكة للدولة ما يصل الى 16 في المئة فقط من الوظائف في الصين، وأقل من ثلث انتاجها، ولكنها تحصل على نسبة مدهشة من كل القروض حيث تصل الى 30 في المئة، ومن خلال مثل هذه السهولة في توافر الائتمان لا تشعر تلك المشاريع بحوافز للتوفير.

أعباء تضارب المصالح

وهذه المشاريع مثقلة أيضاً بأعباء تضارب المصالح، وعلى الرغم من التوجيهات الجديدة التي تدعو الى التركيز على الربحية لا تزال المشاريع المملوكة للدولة خاضعة للأوامر التي تصدر عن اللجان الحزبية التي تتقدم على مجالس الادارة في تلك المشاريع. وقد أغضبت تلك الترتيبات البعض من الشركات ولكن وفقاً للأغراض السياسية العامة، مثل بلوغ الحد الأقصى من التوظيف على الصعيد المحلي، فإنها تحتل مواقع أولوية تتفوق على الأرباح، كما أن البعض من قادة الحزب الشيوعي الصيني يشيرون الى الخصخصة على أنها صورة من "التفكير الخاطئ".

من جهة اخرى، تطرح مبادرة "الحزام والطريق" في الصين وجهة نظر ملائمة في هذا الصدد، وحتى في خضم الحملات الواسعة على الاستثمارات الخارجية تم دفع الشركات الى ضخ مئات المليارات من الدولارات في تلك المبادرة، وكانت في أغلب الأحيان من أجل مشاريع بنية تحتية غير مربحة، فيما كان يطلب من تلك الشركات اعطاء أولوية لتحقيق عوائد أعلى على الاستثمار.

مواجهة التحديات

وفي ضوء كل تلك التحديات فإن الاذعان للتوجيهات والتعليمات الجديدة سوف ينطوي على قدر من الصعوبة، وقد حاولت جهات التنظيم القيام باستراتيجيات اصلاح متعددة في الماضي وتمثلت احداها في تحقيق عمليات اندماج بين عدة مشاريع مملوكة للدولة لا تتسم بكفاءة وفعالية وهي تأمل أن يفضي ذلك الى درجة أفضل من الفعالية، كما تمثلت واحدة اخرى في التمييز بين الشركات المملوكة للدولة العاملة في الميدان التجاري وتلك التي تعمل في حقل "الخدمات العامة"، وذلك على أمل اعطاء الشركات التجارية نوعاً من المرونة التي تشبه ما يحدث في القطاع الخاص. ولكن ما دامت تلك الشركات قادرة على الاعتماد على قروض مصرفية مؤاتية فإن الدوافع لتحسين الفعالية والانتاجية سوف تكون محدودة.

وتمثل الاتجاه الأحدث في الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتهيمن على ادراج الشركات الصينية في سوق الأسهم في هونغ كونغ الآن شركات تشمل مساهمين حكوميين، ولكن الادراج العام في حد ذاته لا يعني بالضرورة فرض الانضباط في السوق، إذ تميل المشاريع المملوكة للدولة الى بيع حصص صغيرة فقط الى المستثمرين الخاصين وذلك على شكل طريقة من أجل ضخ رأس المال اللازم بشدة أو لاخفاء الديون.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل سيثبت هذا الجهد الأخير أنه أكثر فعالية؟ في سنة 2015 وفي ذروة انتعاش سوق الأسهم انتقد تقرير صدر عن مكتب التدقيق الوطني في الصين بتعابير مماثلة تلك المشاريع المملوكة للدولة، ولكن على الرغم من ذلك وبعد مرور عامين ازدادت بشدة سيطرة الحكومة كما كانت عوائد الشركات المملوكة للدولة مدفوعة بشكل مبدئي بالانفاق الدفاعي الأعلى، وقد يثبت الاصلاح في هذه المرة أنه على الدرجة ذاتها من التحدي.

الأسلوب الأفضل

يبدأ الأسلوب الأفضل في الاقرار بأن استخدام الشركات المرتبطة بالدولة على شكل نظام رعاية اجتماعية انما يعرقل ويعطل التنمية. وقد اسيء تخصيص مبالغ ضخمة لصناعات فاشلة فيما تحصل شركات صينية نشيطة ومنتجة صغيرة على أقل من ثلث قروض الشركات في البلاد.

والأهداف ذات الصلة يجب أن تتمثل في وجود مزيد من الثقة في المشاريع الخاصة، وتنتج الصين شركات من مستويات عالمية من شركات تقنية مثل تتنسنت هولدنغز الى شركات تصنيع هواتف ذكية رائدة مثل هواوي تكنولوجيز، وحتى مطاعم الصين تطرح مليارديرات من خلال التركيز على خدمة العملاء وعروض الاكتتاب الأولية، ويتعين أن تتوجه الاستثمارات الى تلك المشاريع بدلاً من الشركات الحكومية العملاقة التي لن تكون مطلقاً منتجة أو مربحة.