صبيحة ليلة رعب دامية في إسبانيا، شهدت عمليتي دهس وقعتا بفارق ساعات، أسفرت الأولى عن مقتل 14 وإصابة 100 في قلب برشلونة السياحي، والثانية خلفت 5 إرهابيين مفترضين في منتجع كامبريلس، شارك العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس إقليم كاتالونيا بدقيقة صمت، تضامناً مع ضحايا الاعتداءين، بينما أعلن رئيس الحكومة ماريانو راخوي الحداد الوطني لثلاثة أيام.

ودان القصر الملكي الاعتداء في رسالة بثها عن الملك فيليبي السادس، إذ قال: "لن يرهبوننا. كل إسبانيا هي برشلونة. شوارع لا رامبلا (حيث وقع الاعتداء) ستعود مجدداً إلى الجميع".

Ad

شعب موحد

وقبل توجهه على الفور إلى برشلونة، التي تسعى حكومتها إلى الانفصال عن المملكة، كتب رئيس الحكومة الإسبانية، في تغريدة على "تويتر" إن "الارهابيين لن يهزموا أبدا شعبا موحدا يحب الحرية في مواجهة الوحشية"، مجددا تأكيده على التواصل مع السلطات المحلية، والأولوية هي لمساعدة الضحايا وتسهيل عمل قوات الأمن.

وفي عملية تبناها تنظيم "داعش"، دهس سائق عمدا عصر الخميس حشدا في شارع لارامبلا، الذي يرتاده أكبر عدد من السياح الإسبان والأجانب في عاصمة كاتالونيا، وسادت حالة من الفوضى والهلع بين المارة، فيما لاذ منفذ العملية بالفرار، مخلفا 13 قتيلا ونحو 130 مصابا، 17 منهم في حالة حرجة و30 في حالة خطيرة وجميعهم ينتمون إلى 34 جنسية، وفق إدارة الدفاع المدني الإسبانية، من جميع أنحاء العالم.

وفي وقت لاحق بعد منتصف ليل الجمعة - السبت بدقائق، دهست سيارة أودي إيه -3 عددا من المشاة على شاطئ كامبريلس في منتجع سياحي بمنطقة تاراغونا، على بعد 120 كلم جنوب غرب برشلونة. وتواجه ركاب السيارة مع دورية لشرطة كاتالونيا الإقليمية، ووقعت عملية إطلاق نار. وقتل فورا 4 أشخاص يشتبه بأنهم "إرهابيون" كانوا في السيارة، أما الخامس فقد توفي بعد دقائق متأثرا بجروحه.

وأكدت شرطة كاتالونيا أن هذا الهجوم مرتبط باعتداء برشلونة وجرح فيه 6 مدنيين وشرطي في عملية الدهس الثانية، من بينهم اثنان جروحهما خطيرة، مشيرا إلى أن بعض الإرهابيين الذين قتلوا في العملية الأمنية كانوا يرتدون أحزمة ناسفة، تبين بعد ذلك أنها وهمية.

وفي بيان نشرته وكالة "أعماق" التابعة له، تبنى "داعش" الاعتداء الأول، مشيرا إلى أن "منفذي هجوم برشلونة من جنود الدولة الإسلامية"، مضيفا أنهم "استجابوا لنداءات استهداف دول التحالف" ضد الجهاديين في سورية والعراق.

وفي حين لم تتبنّ أي جهة الاعتداء على كامبريلس، لايزال منفذ الهجوم الأول سائق الحافلة فارّا. وقال شاهد عيان إنه رأى "شاباً في العشرينيات، وجهه ضعيف".

إيقاف مشبوهين

وأعلنت شرطة كاتالونيا الإقليمية أنها أوقفت مشبوهين اثنين، أحدهما إسباني والثاني مغربي يدعى إدريس أوكبير. ولد الأول في جيب مليلية الإسباني في المغرب، وأوقف على بعد مئتي كلم جنوب برشلونة في منزل انفجرت فيه عبوة ناسفة ليل الجمعة- السبت، بينما كانت قيد الإعداد، مما أدى الى مقتل شخص وإصابة 7 آخرين بجروح.

وقال متحدث باسم الشرطة إن المحققين يرون أن هذا الانفجار مرتبط أيضاً باعتداء برشلونة، مضيفا: "نعتقد أن سكان المنزل كانوا يحضرون عبوة ناسفة"، مشيرا إلى أن المشتبه به إدريس أوكبير، أوقف في ريبول على بعد نحو مئة كلم شمال برشلونة، لارتباطه بالحافلة المستخدمة في الاعتداء الأول.

وأوضح مسؤول في وزارة الداخلية الكتالونية أن الشرطة وقوات الأمن تبحث عن شقيقه موسى أوكبير (17 عاماً) الذي سرق هوية أخيه إدريس المعتقل، (26 عاما)، واستخدمها لاستئجار السيارة الـ "فان" المستخدمة في العملية.

وقال مسؤول في وزارة الداخلية الكتالونية إن قوات الشرطة اعتقلت مواطنا ثالثا في مدينة جيرونا الكتالونية التي تبعد مسافة مئة كيلومتر عن شمال مدينة برشلونة، دون ذكر مزيد من التفاصيل حول هويته. كما اعتقلت شرطة كاتالونيا مشتبها به رابعا على صلة باعتداءي برشلونة وكامبريلس.

الخلية الإرهابية

ولم يكن للمشتبه بهما الاثنين أي سوابق قضائية، فيما لم تعط الشرطة أي معلومة عن الركاب الخمسة الذين قتلوا على متن السيارة في كامبريلس.

وذكرت وسائل الإعلام الإسبانية، أمس، أن منفذي الهجمات الإرهابية، في برشلونة وبلدة كامبريلس، من نفس الخلية الإرهابية، على ما يبدو.

ونقلت صحيفة "إلبايس" عن محققي الشرطة أن الخلية مكونة من 12 شخصاً، خمسة منهم قتلوا في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة في كامبريلس، و3 منهم محتجزون حاليا لدى الشرطة و4 منهم، بينهم المشتبه في قيادته السيارة التي نفذت هجوم برشلونة، مازالوا طلقاء. وقال المسؤول بحكومة إقليم كتالونيا خواكيم فورن، لإذاعة محلية، إن المهاجمين ربما خططوا لاستخدام أسطوانات غاز البوتان في الهجوم.

وبعد الهجوم الأول، فرضت السلطات طوقاً أمنياً حول المنطقة المستهدفة في برشلونة بسرعة، وأغلقت محطات قطارات الأنفاق وسكك الحديد لساعات، وطلبت من المواطنين الابتعاد والبقاء في منازلهم وتجنّب التنقل غير الضروري.

واحتجزت الشرطة الناجين من الاعتداء في المحلات التجارية والمطاعم القريبة من لارامبلا، قبل أن تسمح لهم بالخروج في ساعة متأخرة من ليل الجمعة- السبت.

وشهدت إسبانيا أسوأ اعتداء ارتكبه متطرفون ينتمون إلى شبكة تنظيم القاعدة بأوروبا في 11 مارس 2004، عندما أسفرت تفجيرات قطارات في ضاحية مدريد عن سقوط 191 قتيلا. وفي يوليو 2015، فتح رجل النار أمام فندق في برشلونة موقعا جريحين.

وأكد المتحدث باسم شرطة كاتالونيا لويس ترابيرو، خلال مؤتمر صحافي أمس، أن منفذي اعتداءي برشلونة وكامبريلس كانوا يشكلون "مجموعة" وكانوا يخططون لـ"هجوم على نطاق أوسع" في إسبانيا، مبيناً أن قائد الشاحنة المشتبه به الرئيسي، قد يكون بين المهاجمين الذين قتلوا في كامبريلس.

اصطفاف عالمي

وأثار الاعتداءان سلسلة من الإدانات الواسعة والاصطفاف العالمي في مواجهة الإرهاب، ففي بريطانيا، التي ضربتها عدة هجمات في الأشهر الأخيرة، أكدت رئيسة الوزراء تيريزا ماي أنها "متضامنة مع إسبانيا ضد الارهاب"، مضيفة أن "أفكارنا مع ضحايا الاعتداء المروع في برشلونة".

وفي الولايات المتحدة، كتب الرئيس دونالد ترامب على "تويتر" أن "الولايات المتحدة تدين الاعتداء الارهابي في برشلونة بإسبانيا، وستفعل كل ما هو ضروري لمساعدتها"، مضيفا: "كونوا شجعانا وأقوياء، نحن نحبكم!".

وعبر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، في تغريدة، عن "تضامن فرنسا مع ضحايا الهجوم المأساوي في برشلونة. نبقى متحدين ونملك التصميم".

ودان الناطق باسم المستشارة الألمانية انجيلا ميركل الهجوم "الشنيع". وقال شتيفن سايبرت: "نفكر بحزن عميق بضحايا هجوم برشلونة الشنيع".

وكتب ديدييه ريندرز وزير خارجية بلجيكا، التي شهدت عددا من الهجمات من قبل، أن "جنون الإرهابيين القاتل يضرب برشلونة". وأضاف "نحن متضامنون مجددا ونفكر في الضحايا وأقربائهم".

وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن "كندا تدين الاعتداء الإرهابي في برشلونة. أفكارنا وتعازينا ودعمنا للضحايا وأسرهم". بينما كتب رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي على صفحته على "فيسبوك" انه "هجوم جبان ضد أبرياء"، متحدثا عن "يوم أسود".

وفي إيطاليا، قال وزير الخارجية باولو جنتيلوني ان "روما تقف الى جانب السلطات المحلية والاسبانية". أما البابا فرانسيس فقد عبّر عن "قلقه الكبير"، مؤكدا وقوفه الى جانب الشعب الإسباني.

وعبر رئيس الوزراء اليوناني اليكسيس تسيبراس عن "تضامنه مع الشعب الإسباني". وقال: "في هذه اللحظات الصعبة أفكار الجميع تتوجه إلى برشلونة".

من جانبه، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى مكافحة عالمية "لقوى الإرهاب". وقال في رسالة تعزية وجهها الى ملك اسبانيا إن "ما حدث يؤكد مرة جديدة ضرورة القيام بتوحيد حقيقي لجهود كل الأسرة العالمية في مكافحة كل قوى الإرهاب بلا هوادة". ووصف الاعتداء بـ "الجريمة الوحشية".

ودانت وزارة الخارجية التركية في بيان "بأكبر قدر من الحزم" اعتداء برشلونة. وقالت: "نؤكد من جديد تصميمنا على البقاء متضامنين مع إسبانيا وهي بلد صديق وحليف لتركيا، وتقديم كل المساعدة الممكنة لها".

وعبّر وزير الخارجية الياباني تارو كونو عن "تعازيه الحارة" للضحايا وعائلاتهم. وقال "في هذه الأوقات الصعبة جدا، أود أن أعبر عن تضامننا مع اسبانيا".

وأكد الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش "تعازيه الصادقة للعائلات وأقرباء الاشخاص الذين قتلوا، وكذلك للشعب"، معبراً عن تضامن المنظمة الدولية مع "الحكومة الإسبانية في معركتها ضد الإرهاب والعنف المتطرف".

الاتحاد الأوروبي

وكتب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر على "تويتر": "اقدم التعازي العميقة لعائلات الضحايا واقربائهم ولماريانو راخوي ومواطني إسبانيا".

أما رئيس البرلمان الاوروبي انطونيو تاجاني فقد عبّر عن "دعمه الكامل" للسلطات الإسبانية. وكتب على "تويتر" أن "الاتحاد الاوروبي متحد للدفاع عن السلام".

وأكد رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك أن "كل أوروبا مع برشلونة". وأضاف أن "افكارنا مع الضحايا الذين طالهم هذا الهجوم الجبان على أبرياء".

كما دان الأمين العام لحلف شمال الاطلسي، ينس ستولتنبرغ، على "تويتر" الهجوم "الرهيب". وقال إن "افكارنا مع الذين أصيبوا، ونبقى موحدين في مكافحة الإرهاب".