تعيش الولايات المتحدة أجواء من الانهيار السياسي، وهي غير قادرة على إدارة أجندة اقتصادية محلية أو سياسة خارجية متماسكة، كما أن البيت الأبيض في حالة من الاضطراب، والكونغرس في حالة شلل؛ ويتابع العالم الأحداث في دهشة وفزع، وإذا أردنا التصدي والتغلب على هذا الانهيار فعلينا فهم مصادره.

هناك مركزان للسلطة في واشنطن العاصمة: البيت الأبيض والكابيتول، وكلاهما في حالة من الفوضى اليوم، ولكن لأسباب مختلفة.

Ad

يرجع اختلال البيت الأبيض إلى حد كبير إلى شخصية الرئيس دونالد ترامب، وبالنسبة إلى العديد من الخبراء، فإن سلوك ترامب- الافتخار بالأنا العظيم، والكذب المرضي، وعدم الندم أو الشعور بالذنب، والضحك المعبر، ونمط الحياة الطفيلية، والاندفاع، وعدم قبول المسؤولية عن أفعاله، والعلاقات الزوجية القصيرة الأجل- هي أعراض شخصية نرجسية مضطربة.

وقد تكون العواقب وخيمة، فالنرجسيون المرضى لهم ميل للانغماس في الصراعات والحروب العنيفة (هنا أفكر في ليندون جونسون وفيتنام أو أندرو جاكسون والتطهير العرقي من الأميركيين الأصليين). كحد أدنى يفتقر ترامب إلى الخصائص النفسية اللازمة للحكم البَناء: الصدق والكرامة والكفاءة والتعاطف والخبرة ذات الصلة والقدرة على التخطيط. ووفقا لبعض المراقبين، يظهر ترامب أيضا علامات تدني قدرته العقلية.

الأمل في واشنطن هو أن «الكبار في الغرفة» سيجعلون اتجاهات ترامب الخطيرة تحت المراقبة، لكن أغلب «الكبار» في إدارة ترامب هم شخصيات عسكرية أكثر من مدنية، بمن فيهم ثلاثة جنرالات (جون كيلي، رئيس أركان البيت الأبيض الجديد، ومستشار الأمن القومي ه.ر.ماكماستر، ووزير الدفاع جيمس ماتيس). فالقادة المدنيون الحكماء هم مفتاح السلام، خصوصا أن وتيرة آلة الحرب الواسعة في أميركا آخذة في التسارع دائما، ولنتذكر المستشارين العسكريين لجون كينيدي، الذين دعوا إلى الحرب أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، أو لننظر إلى دعوة ماتيس إلى مواجهة إيران.

وهناك صمامان آخران للهروب هما التعديل الخامس والعشرين الذي يرسم مسارا لخلع رئيس غير قادر على الاضطلاع بمسؤولياته، وتوجيه الاتهام إلى «الجرائم والجُنَح الخطيرة»، وكلا الإجراءين متطرف في النظام الدستوري الأميركي، وكلاهما رهين بموافقة الزعماء الجمهوريين. ومع ذلك قد يكون أحد الإجراءين ضروريا حتى في حالة عدم الاستقرار النفسي لترامب أو ضعفه السياسي الذي يمكن أن يؤدي به إلى شن حرب.

الانهيار السياسي في الكونغرس أقل فظاعة لكنه خطير مع ذلك، والسبب ليس اضطراب شخصية الرئيس بل تأثير المال، وقد تضررت السلطة التشريعية بشدة من خلال ضغط الشركات ومساهمات الحملات الانتخابية، فالأخوان الصناعيان ديفيد وتشارلز كوخ، اللذان يملكان رأسمالا بقيمة 100 مليار دولار، يملكان تقريبا كل الأصوات، ويتحكمان في مواقف رئيس بول رايان وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل.

والنتيجة هي سلوكات سياسية فاسدة، فقد دافع ريان وماكونيل بلا هوادة عن التشريعات التي يفضلها الأخوان كوخ بدلا من الدفاع عن مصالح الشعب الأميركي، وإن محاولة إلغاء تشريع الرئيس باراك أوباما للرعاية الصحية، وقانون الرعاية بأسعار معقولة لعام 2010 («أوباماكير») لا علاقة لها بآراء الناخبين أو اهتماماتهم؛ كان الأمر ببساطة يتعلق بما يريده الأخوان كوخ (والمانحون الجمهوريون الآخرون). وهذا هو السبب في أن إلغاء التشريع كان سرا حتى آخر لحظة، ولم يخضع أبدا لشهادة خبير أو تحليل أو حتى النظر من قبل لجنة الكونغرس، ولا يمكن أن يمر التشريع إلا إذا كان مخفيا عن الرأي العام وإذا حصل التصويت عليه في منتصف الليل. في النهاية قفز ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين من السفينة، وانحازوا إلى الشعب الأميركي بدلا من الأخوين كوخ. بين نرجسية ترامب ومال الأخوين كوخ، أصبحت الحكومة الأميركية تعاني فوضى عارمة، ولا تزال واشنطن مليئة بالعديد من الشخصيات الذكية والموهوبة من كلا الطرفين، ولكن بدأت المؤسسات السياسية الأميركية والعمليات الرسمية تتضاءل. وبدأت الحكومة الاتحادية تفتقد الخبرة العلمية، كما تخلت عن الباحثين أو تم تطهيرهم، وخضعت ميزانيات الوكالات المستهدفة لتخفيضات عميقة، ويبقى دبلوماسيون محنكون كثر خارج وزارة الخارجية. وفي الوقت نفسه يقوم ضباط لوبي الرئيس بتثبيت حلفائهم وأصدقائهم في جميع موقع الحكومة.

من خلال هذه الضوضاء يمكن سماع طبول حرب جديدة، وأشدها شراسة ضد إيران وكوريا الشمالية، فهل هو تهديد أم حقيقة؟ لا أحد يعرف. يتم الإعلان عن سياسات ترامب الخارجية والعسكرية الآن في تغريدات «تويتر» في الصباح الباكر، دون علم مسبق من موظفي البيت الأبيض أو كبار المسؤولين، وأصبح الوضع خطيرا ومتدهورا للغاية.

وأقترح ثلاث خطوات فورية، وخطوة رابعة على المدى الطويل.

تتعلق الخطوة الأولى بمنع ترامب من استخدام تغريدات «تويتر»، فالولايات المتحدة والعالم بحاجة إلى سياسة عامة عن طريق التشاور والمداولات لا الأمراض النفسية المتفاقمة لدى شخص (ترامب)، ويوافق الشعب الأميركي، بفارق كبير، على أن تغريدات ترامب تضر بالأمن القومي والرئاسة.

ثانيا، ينبغي أن يتفق قادة الكونغرس والحزبان معا على تقييد النزعات العدائية والانفعالية لترامب. وتخول المادة الأولى، القسم 8 من الدستور الأميركي سلطة إعلان الحرب للكونغرس، والكونغرس يحتاج إلى إعادة تأكيد هذه السلطة الآن، قبل فوات الأوان.

ثالثا، يجب على القوى الكبرى في العالم على الفور، خصوصا حلفاء حلف شمال الأطلسي في الولايات المتحدة، والصين، وروسيا أن يوضحوا أن أي هجوم أميركي من جانب واحد على إيران أو كوريا الشمالية سيشكل انتهاكا خطيرا وغير قانوني للسلم، وأن مسائل الحرب والسلام يجب أن يتم الاتفاق عليها داخل مجلس الأمن الدولي، ولو كانت الولايات المتحدة قد استجابت للحكمة الجماعية لمجلس الأمن الدولي في الماضي القريب، لتجنب العالم العديد من الكوارث المستمرة، بما في ذلك الفوضى في العراق وليبيا وسورياة، ولأنقذنا تريليونات الدولارات ومئات الآلاف من الأرواح.

والخطوة الرابعة والأطول أجلا هي الإصلاح الدستوري لإبعاد الولايات المتحدة عن نظامها الرئاسي الحالي المتقلب إلى نظام برلماني أو على الأقل إلى نظام رئاسي برلماني مختلط كما هي الحال في فرنسا، فقوة الرئيس- وبالتالي خطر الرئاسة الهاربة- كبيرة جدا حاليا.

ولا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به لاستعادة الشرعية الديمقراطية في الولايات المتحدة، بما في ذلك فرض قيود أكثر صرامة على تمويل الحملات واللوبيات، ومع ذلك يجب علينا أولا وقبل كل شيء مقاومة رئاسة ترامب الخطيرة من خلال الحفاظ على السلام.

* أستاذ التنمية المستدامة وأستاذ السياسة والإدارة الصحية في جامعة كولومبيا، وهو مدير مركز كولومبيا للتنمية المستدامة وشبكة الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة.

* جيفري ساكس

«بروجيكت سينديكيت، 2017» بالاتفاق مع «لجريدة»