نحن شعب مترف بلا أدنى شك، لا يذكر أحدنا متى كانت المرة الأخيرة التي غسلنا فيها ثيابنا أو نظفنا منازلنا بأنفسنا. ننعم بالأمان الوظيفي (في كلا القطاعين الحكومي والخاص) والراتب الوفير والثابت. نعم، فنحن محظوظون جداً! حياتنا تملؤها النعم وجميع سبل الراحة، وبما أننا لا "نعطل هم" احتياجاتنا الأساسية، وحتى رغباتنا الثانوية، أصبح جل وقتنا الثمين بين أيدينا، فلا نحتاج لبذل هذا الوقت في ساعات عمل طويلة- بين وظيفتين أحياناً- كي نعود إلى المنزل ونقضي بقية اليوم في إعداد الطعام وتنظيف المنزل، لنلقي بأنفسنا أخيراً على الأسرّة منهكين... لا نملك سوى بضع دقائق لأنفسنا في اليوم، كما هي الحال في المجتمعات المنتجة.

ماذا نحن فاعلون إذاً بهذا الوقت الثمين؟

Ad

للأسف فإن الأغلبية هنا تقضي أوقات فراغها في أنشطة ذات طبيعة استهلاكية، كالتسوق وارتياد المطاعم، وقضاء ساعات طويلة أمام شاشة الهاتف، حيث يتذرعون بعدم وجود بدائل أخرى أكثر متعة وفائدة. وعلى الرغم من وجود مبادرات شبابية رائعة من أنشطة ومشاريع- كما ذكرت في مقال سابق- فإن أغلب المشاريع الصغيرة ذات طابع سطحي استهلاكي أيضاً.

قد يكون الفراغ سبباً في الكثير من المشاكل، فهو ليس الحالة الطبيعية للوجود البشري... الأيدي الفارغة ستبحث عمّا يشغلها وإن كان ذلك يعني اختلاق الخلافات مع الآخرين واستنزاف وقتهم، أو الهوس بالأمور السطحية.

فسنوات الكسل والفراغ الطويلة تؤدي إلى خمول العقول وغياب اللون والقيمة من الحياة. نعم، نحتاج إلى الراحة واللهو وعمل اللاشيء أحياناً، لكن كثرة الراحة فخ يصعب الخروج منه إذا ما اعتاد المرء عليه.

فلا بد من وجود شغف يوجه حياة المرء ويحركها نحو الإنماء والفائدة الجمعية، وبالتالي سينعكس ذلك عليه إيجاباً، حيث سيشعر بالرضا عن ذاته كفرد ذي قيمة وتأثير على من حوله، ولن يكون لديه الوقت لإهداره في توافه الأمور. حتى إن لم يكتشف المرء شغفه ونقاط قوته بعد، فتعلم مهارات جديدة والقراءة والبحث فيما يحب هي نقطة بداية جيدة قد تفتح العديد من الأبواب في المستقبل.

فلنغير الثقافة الاستهلاكية قبل أن تغيرنا!

"عندما أرتاح فإنني أصدأ". (مثل ألماني).