في مساء الجمعة، الموافق 11 الجاري، أسلم ابن الكويت البار الفنان عبدالحسين عبدالرضا الروح لبارئها. وكما هي كل الأحداث الكبيرة التي تمرُّ بتاريخ أي أمة، لفت عبدالحسين الأنظار بخبر وفاته. اجتمعت الكويت، بأطيافها، لتبكي فَقْد ولدها الحبيب، الذي ظل لعقود وعقود صوتا جريئا لهمس ضميرها وقضاياها الشائكة والمؤلمة. أضحكها كثيراً، واستوقف وعيها حيال منعطفات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وأبكاها مرّ البكاء يوم رحيله.

عبدالحسين ُولد عام 1939، ولأن أول شحنة بترول صُدرت من الكويت في 30 يونيو 1946، فإن عبدالحسين عاش طفولته وشيئاً من مراهقته في ظل مجتمع الكويت البسيط، ومن ثم عاش الانعطاف الأهم في تاريخ المجتمع الكويتي، يوم بدأ المجتمع ينتقل من حالة البساطة إلى حالة مجتمع جديد وعصري ومعقد.

Ad

البداية الحقيقية لعبدالحسين على المسرح جاءت في مسرحية "صقر قريش" عام 1961، وحينها كان عمره 22 عاماً، ومن هنا يبدو واضحاً أن عبدالحسين اختار طريق الفن باكراً، ويوم كان على مَن يختار هذا الطريق أن يدفع ثمناً اجتماعياً غالياً. لكن، إذا كان عبدالحسين قد خبر الحياة بالسير على دروب تجاربها، فإن الأهم هو أنه كان يمتلك موهبة متفجرة، و"كاريزما" آسرة جداً، جعلت منه، ومجموعة من رفقاء دربة، لساناً جريئاً ينطق بقضايا المجتمع الشائكة، ويقول صراحة ما يعجر ويخشى الكثيرون عن قوله.

عبدالحسين وكوكبة من زملائه المفكرين والمبدعين والكُتاب والمثقفين التنويريين، هؤلاء كانوا بمنزلة عربة كبيرة نقلت المجتمع الكويتي؛ وعياً وفكراً وممارسةً اجتماعية، من حال إلى حال، عبرت به المضيق الأصعب في تاريخه. يوم انكشاف وانتقال المجتمع الكويتي من حياة وعيش اعتاد عليهما طوال ما يزيد على ثلاثمئة سنة، إلى شكل و"رتم" حياة جديدين لا عهد له بهما. المجتمع، أي مجتمع، مرتهن لعادات وتقاليد يصعب جداً تجاوزها أو الخروج عليها، وباهظة جداً ضريبة مَن يتجرأ على كسرها، والإتيان بالجديد، والفنان عبدالحسين على رأس أولئك الذين قادوا عربة التحرر الاجتماعي، بشكل فني آسر، جعل الموافق والمعارض له ينحني ويعترف بموهبته.

مهمة عبدالحسين عبدالرضا وزملاء دربه المخلصين لم تكن في يومٍ سهلة، الشعب الكويتي على الأخص، وشعوب منطقة الخليج، كانوا يشاهدون ما يقدمه عبدالحسين على شاشة التلفزيون الأسود والأبيض، وعلى خشبة المسرح، ويضحكون ويتسرب لوعيهم ما يتفوه به، وما يأتي به من حركات. لكن، الحق يتطلب منا الاعتراف، بأن ذلك لم يكن في يوم من الأيام سهلا، ولم يكن في يوم من الأيام بسيطا! وكانت موهبة عبدالحسين كبيرة تتسع لأن يتمثل الواقع الاجتماعي ويهضمه، ومن ثم يعيد فرزه بشكل فني مبدع وجديد وجريء.

عبدالحسين وأمام أي مشهد مكتوب، ومع أي مخرج، كان يتمثل روح المشهد، ويغنيه كثيراً بموهبته وروحه المتشربة، ليس فقط بعادات وتقاليد المجتمع الكويتي، لكن القادرة بشكل قلَّ مثيله، على تشرُّب البيئة الخليجية والعربية. لذا، لم يكن عبدالحسين عبدالرضا محسوباً يوماً على الكويت وحدها. وهذا شأن الفنان المبدع، شديد الموهبة، فهو محسوب على الإنسان، وأينما كان.

المجتمع الكويتي، ومنذ خبر وفاة المرحوم عبدالحسين، يعيش حالة خاصة جداً قلما عاشها. بدءا بنعي سمو أمير البلاد، وتعزيته لعائلة الفقيد وأهل الكويت برحيل الفنان، مروراً بتغطيات تلفزيون الكويت، وانتهاء بكل ما قدمته وتقدمه وسائل التواصل الاجتماعي. وهنا لابد من التوقف أمام هذه الحالة/الظاهرة، والقول إن شخصية بموهبة و"كاريزما" وإخلاص وعطاء ورصيد عبدالحسين خلقت هذه الظاهرة، وأفرزت شكلاً جديداً سيكون من الصعب جداً تقليده، لذا سيبقى عبدالحسين متفرداً في عيشه ومماته.

فَقْدُ الفنان عبدالحسين يعيد إلى الأذهان حقيقة أن المجتمعات تكون محظوظة بأبنائها المبدعين، وأن هناك مبدعين من الموهبة والعظمة بحيث يصعب جداً نسيانهم، وأنهم سيعيشون ردحاً طويلاً في ذاكرة مجتمعاتهم وبلدانهم، كونهم جزءاً من تاريخ تلك المجتمعات، ومؤكد أن عبدالحسين أحد أولئك بامتياز.

رحم الله الفنان عبدالحسين عبدالرضا بواسع رحمته، والعزاء ببقاء أعماله المبدعة.