كل "الهرج" عن المستقبل، أكاديمياً وفنياً وسياسيا و"دواوينياً"، ليس له مكان أو أثر في مراكز اتخاذ القرار، بدليل حالات التجلط التي تصيب بعض المواقع لتكشف عن الخلل الذي سبق التحذير عن قرب وصوله. وما حصل قبل يومين في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب من كارثة كشفت عن العجز في قبول من يستحقون القبول بحجة عجز الطاقة الاستيعابية ليس سوى مجرد حلقة في مسلسل إخفاقات التخطيط للمستقبل.

هذه الأزمة التي أصابت موقعاً حيوياً في بلد يعاني أصلاً الحاجة الماسة إلى نوعية من الكوادر المتخصصة، لم تكن هي المؤشر الأول أو الأخير الذي يحذرنا من سوء القادم ما لم نتداركه الآن، فها هي شبكة المرافق العامة والبنى التحتية تعاني الضغط العالي بسبب خلل التركيبة السكانية، والخدمات الحيوية مثل التعليم والصحة والمواصلات أصبحت مؤشرات يومية تنبهنا إلى أن تكاليف العلاج اليوم أرخص بكثير من تكاليف الإنعاش واستعادة السمعة التي لا تقدر بثمن.

Ad

إن قبول ما يحصل والتفاعل مع ما يصيب أصحاب العلاقة فقط، خطر عظيم يولّد ثقافة أنانية متبلدة الحس، لا تعمر وطناً ولا تورث خيراً للأجيال القادمة، فهل لا نزال نعيش وهم وجود حواجز تمنع تمدد الخراب والفساد من وزارة إلى وزارة أو من منطقة إلى منطقة؟، هيهات، إنها الإدارة ونهج الإدارة التي ستتعامل مع جميع الملفات بنفس العقلية والطريقة.

أيها السادة، بالأمس القريب، كان التعليم التطبيقي يلاحق خريجي الثانوية ويصرف لهم مكافآت شهرية، والتعليم العالي كان يسمح بالابتعاث لدراسة اللغة الفرنسية لمن تخرج من الجامعة بتقدير جيد!، قبل عقدين فقط، الوزارات كانت تتصل بخريجي الجامعة هاتفياً في بيوتهم للعمل لديها، الإيجارات قليلة وأسعار الأراضي معقولة وأسعار النفط فوق المعقولة ومجالات تحقيق الأحلام متاحة.

ما الذي حصل؟ لا شيء يذكر، فقط حصلت عملية انفصال كاملة بين أصحاب القرار وبين أصحاب العزم وبين الإنسان المناسب عن المكان المناسب، هذا ما حصل ببساطة، بالأمس "التطبيقي" وقبلها مشاريع تسلم بعد دهور، وكل ما يحذرنا منه الإحصائيون سيحدث لا محالة... إنها قادمة.