اتسم خطاب سمو أمير قطر، والذي جاء بعد 47 يوماً من الحصار والمقاطعة، من قبل الشقيقات الخليجيات الثلاث وجمهورية مصر العربية، بالشفافية والوضوح والاتزان والعقلانية، وعلى خلاف ما كان يعتقده كثيرون، لم يأتِ الخطاب تصعيدياً تهديدياً انفعالياً، محكوماً بردود الفعل العاطفية المتسرعة، بل أتى منطقياً، هادئاً، يضع النقاط فوق الحروف، ويشخص الأزمة الخليجية الراهنة، ملتمساً حلاً واقعياً لها يقوم على مبدأ الحوار الصحي البناء، وفق قواعد الاحترام المتبادل لسيادة الدول وإراداتها، وبعيداً عن أساليب فرض الوصاية وصيغ الإملاءات.

جاء هذا الخطاب العقلاني المتزن، مبادرة من الأمير، وسعياً مخلصاً لوضع حد للأزمة الخليجية التي طالت، واستعصت على جهود الوساطة، حتى الآن، بهدف حماية وصيانة البيت الخليجي الكبير من التصدع، وتعزيز المصلحة الخليجية العليا.

Ad

أتى الخطاب مستوعباً أبعاد الأزمة الخليجية وتداعياتها السلبية على جميع الأطراف، ومنفتحاً على الحوار لإيجاد حلول للمشاكل العالقة، يحمل رسالتين: رسالة إلى الخارج، ورسالة إلى الداخل.

رسالة الخارج

حمل الخطاب رسالة خارجية شاملة، أبرز ما تضمنها:

1- تثمين جهود الوساطة المخلصة التي يقوم بها صاحب السمو أمير دولة الكويت الشقيقة، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه المولى تعالى ورعاه، منذ بداية الأزمة وحتى اليوم، والمدعومة من دولة قطر وكل دول العالم المعنية بوضع حد للأزمة، لقد ثمن سمو أمير قطر هذه الجهود، عالياً، معبراً عن شكره، ومؤملاً أن تكلل هذه الجهود المباركة بالنجاح.

2- تقدير المساندة الأميركية للجهود الكويتية.

3-تقدير المواقف البناءة لكل من ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وأوروبا عموماً، وروسيا.

4- الإشادة بالدور التركي المهم، في إقراره السريع لاتفاقية التعاون الاستراتيجي، وتنفيذها المباشر، وشكرها على استجابتها الفورية لتلبية احتياجات السوق القطري.

5- الشكر لكل من فتح لنا أجواءه ومياهه الإقليمية، حين أغلقها الأشقاء، والمقصود، إيران.

6- توجيه رسالة إنسانية، بأنه قد آن الأوان لوقف تحميل الشعوب ثمن الخلافات السياسية بين الحكومات، مذكراً بأن منطقتنا عرفت أساليب العقاب الجماعي لمواطني الدولة الأخرى في حالة الاختلاف مع حكومتها، لكن خليجنا نجح في تجاوز هذه الأساليب، مؤكداً أن قطر تجنبت المعاملة بالمثل، ففي حين طالبت الدول الشقيقة، القطريين بالمغادرة، وطالبت مواطنيها في قطر بالتخلي عن أعمالهم، فقد أتاحت قطر لمواطني هذه الدول، حرية القرار بالبقاء أو المغادرة.

7- الدين وازع أخلاقي، ليس مصدراً للإرهاب، وإنما هناك أيديولوجيات متطرفة دينية وعلمانية، وحتى هذه الأيديولوجيات المتطرفة تصبح مصدراً للإرهاب فقط في بيئة سياسية اجتماعية تنتج اليأس والإحباط... هذا صحيح، وليسمح لي، صاحب السمو، هنا، بإضافة، أن الإرهاب العولمي، اليوم، تجاوز هذه البيئات المحبطة إلى البيئات الأوروبية والأميركية المزدهرة، التي لا تعاني فقرا أو طغياناً، لتصبح بيئات منتجة ومصدرة للإرهاب، أيضاً.

8-قطر منفتحة على الحوار لحل الأزمة، في إطار احترام السيادة ورفض الإملاءات.

9- قطر تكافح الإرهاب، بلا هوادة ودون حلول وسط.

رسالة الداخل... وأهم ما جاء فيها

1- طمأنة الجميع إلى أن الحياة في قطر، تسير بشكل طبيعي.

2- الاعتزاز بالمستوى الأخلاقي الرفيع للشعب القطري، وصلابة موقفه تجاه حملات التحريض والحصار.

3- دعوة الجميع إلى الاستمرار على هذا النهج، وعدم الانزلاق إلى ما لا يليق بنا وبمبادئنا وقيمنا.

4- الإشادة بنجاح الحكومة في التعامل مع الأزمة بتوفير كل الاحتياجات السكانية.

5-عدم التقليل من الألم والمعاناة الناتجة عن الحصار.

6- تخصيص عائدات استكشافات الغاز للاستثمار من أجل الأجيال القادمة.

7- رب ضارة نافعة، الأزمة ساعدت على حسن تشخيص النواقص والعثرات، لسد النواقص وتصحيح الأخطاء، كما ساعدتنا على استكشاف مكامن القوة والوحدة في المجتمع.

8- توجيه الحكومة إلى ضرورة تحقيق الاستقلال الاقتصادي، والاعتماد على الذات، وبخاصة في مجالات إنتاج غذائنا ودوائنا، وتنوع مصادر دخلنا، والانفتاح الاقتصادي وإزالة العوائق أمام الاستثمار، ومنع الاحتكار، والاستثمار في التنمية البشرية، وتطوير مؤسساتنا التعليمية والبحثية والإعلامية، ومصادر قوتنا الناعمة على المستوى الدولي.

وأخيراً: ضرورة استمرار الروح الإيجابية للقطريين والمقيمين، فلا تكون مجرد موجة حماسية عابرة.

ختاماً:

هذه التوجيهات السامية ترسم معالم الطريق لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ومن ثم يجب أن تترجم على أرض الواقع بفعالية وكفاءة، ونحن اليوم بحاجة إلى إنشاء هيئة وطنية، تضم الكفاءات القطرية مع أفضل الخبرات العربية والأجنبية، لوضع خريطة طريق للنهضة القطرية القادمة بإذن الله تعالى.

* كاتب قطري