تحلق رواية "مال جبال السكينة" للباحث عبدالله السلوم بجناحي الاقتصاد والسياسة ضمن أحداث افتراضية تسرد تاريخ النظام المالي بكثير من الواقعية الممزوجة بالتحليل والمفعمة بالترميز.

وينسج الباحث السلوم عبر إصداره الجديد تفاصيل حكاية روايته من صميم مجاله في المال والأعمال، فيجنح تارة إلى النظام الاقتصادي وتعقيداته وتحليلاته الخاضعة إلى الصعود والهبوط وفقاً للمؤشر الرئيس في قصة العمل الأدبي، وأخرى يلج إلى دهاليز السياسة المعقدة، التي ترتبط بعلاقة وطيدة بالاقتصاد، لأن أي مجتمع لن يشهد تطوراً أو انتعاشاً اقتصادياً إن كان يعاني خللاً في نظامه السياسي، فالنمو الاقتصادي والثبات السياسي صنوان لا يفترقان، كما أن النمو الاقتصادي يأتي ثمرة وفاق النظام السياسي وانسجامه، لأنه من يسن القوانين الجاذبة للبيئة المحلية، لاسيما قوانين السوق، بكل تفاصيلها في البيع والشراء والملكية، إضافة إلى قطاعات الإنتاج، التي تعد المورد الأساس في انتعاش القطاعات الخدمية.

Ad

طفرة نوعية

تنطلق رواية "مال جبال السكينة"، التي حلت في المركز الثاني ضمن قائمة الأكثر مبيعاً عبر موقع "جملون" لبيع الكتب على الإنترنت، بإيضاح مجموعة دلالات لا بد منها في الاستهلال، وفي مقدمتها ازدهار بعض القرى والمدن والمماليك القريبة من جبال السكينة، التي تشهد طفرة نوعية بعد الرخاء الاقتصادي، الذي انعكس على تطور النظام المالي، لكن المؤلف لم يدع الأمور تسير ضمن هذا الاتجاه وحسب بل قدم إشارات واضحة إلى صعود بعض القرى والمدن جاء بالمصادفة وليس نتاج تطور طبيعي، كما أورد المؤلف أحداثاً تدل أن هذا التطور لم تكن له أي مسوغات اقتصادية أو أبعاد مالية بل جاء نتيجة لنزاعات بشرية ومشاعر إنسانية كالحسد والكراهية والبغضاء وغيرها من السمات المشينة، التي لا تليق بالإنسانية وتتقاطع هذه الأوضاع مع كثير من الأحداث التي يعيشها العالم راهناً.

نظريات وأيديولوجيات

تستند أحداث الرواية إلى نظريات علمية وأيديولوجيات فكرية تسعى إلى تنشيط المصطلحات الاقتصادية الدقيقة إلى أحداث تجري بين أفراد يتنازعون على سبل حياة العيش المرفه أو الكسب المادي أو الثراء وتحقيق الثروة الطائلة إلى ماهنالك من أمور تشهد صراعاً محتدماً ربما يبدو هو الصراع ظاهرياً شخصياً لإثبات الوجود، بينما في حقيقة الأمر هو صراع مالي بين مؤسسات مالية اتسع حجمها أو تضاءل، كالصراع المحتدم الذي تدور رحاه في الرواية بين المتخاصمين على النفوذ والسيطرة على موارد المال.

التنافس المحموم

تشير أحداث الرواية بذكاء إلى أن أي صراع على المال سيحدث بين مجموعة من الأفراد أو المؤسسات ستؤول نتائجه إلى أحد الاقتصاديين الكبار أو إلى مؤسسة كبرى لها القدرة على إدارة النظام المالي في الإقليم أو حتى في الأقاليم الأخرى، ويشبه المؤلف هذا التنافس المحموم باللعبة التي تستنزف المشاركين في ركابها إلى أن يأتي رجل آخر لجني ثمار هذا الجهد المبذول، الذي كاد أن يفتك ببعض أطراف الصراع.

مصطلح اقتصادي

يمزج المؤلف بين الواقع والخيال في روايته مستخدماً لفظ "الزفتينار" ويقصد به المصطلح الاقتصادي "بترودولار" المعني بوصف قيمة البترول المشترى بالدولار الأميركي، ويعود ظهور هذا المصطلح إلى اتفاقية بريتون وودز عام 1944 الذي أصبح بموجبها الدولار الأميركي عملة الاحتياط الوحيدة بموجبها يمكن تحويل العملة الأميركية إلى ذهب بسعر ثابت، ومجرد التذكير بهذه الاتفاقية من خلال مسميات مفعمة بالتهكم تقترب إلى الرؤية النقدية لما يدور في المجال الاقتصادي كما يقدم السلوم رؤية تستند إلى خبرة طويلة في مجال المال والأعمال.

الامتنان والزفتينار

ويدون الناشر على الغلاف الخلفي لرواية "مال جبال السكينة" كلمة مقتضبة توضح محتوى هذا العمل الأدبي، ويقول فيها:" تزامن ازدهار القرى والمدن والممالك الملتفة حول بركان القرن في جبال السكينة مع تطور النظام المالي، والذي نشأ تصادفاً نتيجة حصاد كراهية تأصلت جذورها بين قوم وآخر. فأينعت بثمارها بعد وفاة حنظلة الحكيم لتصبح حجر الأساس في سلسلة من التطورات، التي لعب بنو أم حمارة الدور الأكبر فيها. تلك السلسلة قسمت التاريخ إلى حقب تختلف بها المفاهيم والسياسات المالية والاقتصادية.

وما كان لتميم وكِلدة إلا أن يخرجا أخيرا باستنتاج بعد عمل وبحث حثيثين من أن جهد المرء يُستنزف دون علمه في كل حقبة، ليصب في مصلحة هرم طبقي يدير هذا النظام المالي، معززاً بذلك ثراءه وسلطته عن طريق استعباد المرء الذي عمل طمعاً بمال ابتدعه هذا الهرم".

ويضيف الناشر:" في الرواية عبر وعلل تحسن منظورك لقيمة العملة الورقية، واهبة إياك القدرة على إدراك أنها ليست إلا جسراً متذبذباً بقيمته بين ما يُبذل من جهد وما يُتلقى من استفادة، وهما أقل تذبذباً بقيمتهما. علل تكسبك الإلمام بأسس السياسة المالية، مانحتك القدرة على استنتاج أسباب المتغيرات الاقتصادية التي نشهدها كل يوم في حياتنا الواقعية".