يعلم خبراء الاقتصاد أن الأطراف المتصارعة سوف تخوض الحرب المقبلة بأسلحة وتكتيكات استراتيجية مختلفة عن الحروب السابقة، وبالمثل فإن جهات التنظيم المالي على حق في القلق من أن الأزمة التالية قد لا تشبه انهيار الائتمان الذي حدث في 2007-2008.

وقد نجمت الأزمة الاقتصادية الأخيرة عن التفاعل بين أسواق الأسهم المدعومة برهونات عقارية والنظام المصرفي، وبعد أن شعر المستثمرون بعدم اليقين ازاء عدم انكشاف البنوك لديون معدومة عمدوا الى خفض معدلات اقراضهم الى هذا القطاع ما أفضى الى ضغوط على السيولة، ومنذ ذلك الوقت، على أي حال، أصرت البنوك المركزية على تحسين البنوك التجارية لنسب رأس مالها من أجل ضمان عدم تعرضها الى خسائر.

Ad

هل يمكن ألا تنجم الأزمة المقبلة عن النظام المصرفي بل عن سوق السندات؟ كان هذا هو الموضوع الذي تضمنته دراسة صدرت عن بنك انكلترا وقد ركزت القلق على «التباين في السيولة» بين صناديق الاستثمار المشترك التي توفر تعويضات فورية الى عملائها وبين سوق سندات الشركات التي يصعب تداول الكثير من أسهمها خلال فترة الأزمة. ويكمن الخطر في كون البيع القسري الهادف الى اعادة الأموال الى المستثمرين يفضي الى هبوط كبير في أسعار السندات مع ما يرافق ذلك من تبعات وتداعيات.

وإذا كان ذلك القلق يبدو مجرد خيال فإنه يتعين علينا العودة الى صيف عام 2016 عندما تعين على صناديق الاستثمار المشترك العقارية في بريطانيا تعليق عمليات التعويض في أعقاب الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، يومها لم يتمكن مديرو الصناديق ببساطة من بيع العقارات بسرعة كافية من أجل الدفع الى مستثمريهم.

ويتسم سوق سندات الشركات بقلق خاص لأنه أقل سيولة من أسواق الأسهم، وقد هبطت تلك السيولة في السنوات القليلة الماضية لأن البنوك أصبحت أقل رغبة في التصرف على شكل صناع السوق.

ويظهر هذا التردد في الأنظمة التي فرضت في أعقاب الأزمة المالية الأخيرة التي طالبت البنوك بتوفير المزيد من رأس المال.

وقد ركزت دراسة بنك انكلترا على صناديق الاستثمار المشترك الأوروبية التي تملك سندات من فئة الاستثمار (وهي الأكثر أماناً)، ومنذ سنة 2005 حدث أسوأ شهر في التعويضات في أكتوبر من عام 2008 عندما وصلت التدفقات الخارجية الى ما يعادل 1 في المئة من الأصول في الأسبوع الواحد. ورافق هذا الهبوط ارتفاع في مدى السندات – وهي الفجوة بين أرباح السندات من فئة الاستثمار وأرباح الديون الحكومية وهي بحدود نقطة مئوية واحدة.

وكان السبب وراء تلك الزيادة التردي الذي شهده الاقتصاد حيث شعر المستثمرون أن مصدري السندات قد يكونون عرضة بقدر أكبر للتخلف عن السداد. ولكن البنك يحسب أن حوالي نصف التحول كان نتيجة الهبوط في السيولة، وبكلمات اخرى، طالب مستثمرو السندات بأرباح أعلى من أجل التعويض عن الصعوبات التي قد تواجههم في بيع موجوداتهم.

ويحسب البنك أيضاً أن حدوث التدفق الخارجي بنسبة 1 في المئة من أصول صناديق الاستثمار المشترك في يومنا هذا سوف يفضي الى ارتفاع في الاستثمارات الأوروبية ولأسباب ناجمة عن السيولة فقط وربما يصل الى حوالي أربعة أعشار من النقطة المئوية، وقد لا يبدو ذلك عالياً ولكنه يصل الى حوالي ثلث حجم الفجوة منذ عام 2000.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا لو أن الهبوط في الأسعار كان أكبر مما كان عليه في سنة 2008؟ وبعد كل شيء فإن معدلات الفائدة التي وصلت الى الصفر لابد أنها دفعت البعض من المستثمرين الى صناديق سندات الشركات في السنوات القليلة الماضية.

وقد يتوجه البعض الآخر الى شراء السندات، وتعتبر صناديق التقاعد وشركات التأمين المرشحة بقدر أكبر للقيام بمثل هذه الخطوة على الرغم من أنها لا تتسرع في اتخاذها. ومن جهة اخرى تتريث صناديق التحوط في التصرف ولكنها في أغلب الأحيان تعتمد على التمويل من البنوك وهذا قد لا يكون متاحاً في أوقات الأزمات.

وأخيراً، تجدر الاشارة الى أن البنوك نفسها قد تقرر التدخل ولكنها تواجه اتهامات تتعلق بأنشطتها في صنع الأسواق، وعلى أي حال قد تأتي اللحظة – كما يقول البنك – التي يمكن «أن يصل فيها الوكلاء الى حدود طاقتهم في استيعاب مبيعات تلك الأصول».

وتقول مصادر مالية إن تلك اللحظة سوف تمثل «نقطة انهيار السوق»، ويمكن بلوغ تلك المرحلة عندما تصل التعويضات الى ما يساوي 1.3 في المئة من صافي أصول أموال سندات الشركات وبكلمات اخرى بشكل أعلى بحوالي 30 في المئة من المستوى الذي وصلت اليه خلال الأزمة المالية في سنة 2008.

وفي غضون ذلك يتعين ألا يفضي الهبوط في أسعار سندات الشركات الى الحاق ضرر يضاهي أزمة الرهن العقاري في سنة 2008، كما أن المستثمرين لا يميلون الى استخدام الأموال التي يقترضونها من أجل شراء مثل تلك السندات، اضافة الى أن شركات ادارة الأصول الكبيرة لا تدعم الصناديق برأسمالها الخاص. وتتكون سندات الشركات أيضاً من جزء صغير فقط من معظم المحافظ المالية. ولكنها، على أي حال، قد تكون ذات تأثير سلبي واضح اذا دعت الحاجة الى تعليق عمليات صناديق السندات، وقد يقوض ذلك ثقة مستثمري التجزئة في سيولة صناديق الاستثمار المشترك التي يعتمد الكثيرون عليها من أجل دخلهم في فترة التقاعد، ومن هذا المنطلق يمكن القول أن بنك انكلتراعلى حق في الانتباه الى عوامل الخطر في المستقبل.