نفس الدوائر ندور فيها، بدايتها كنهايتها، وحصيلة الجديدة توأم حصيلة الأخيرة، إذا أردنا التغيير خرجنا من الدائرة الواسعة لندخل في الدائرة الأصغر لأن المسافة في الأولى أطول من الثانية، والعكس صحيح لمن يريد تطويل المسافة، شيء واحد ثابت في منتصف جميع الدوائر، السلطة ولا غيرها لا تحتاج إلى تطوير نفسها، لأن المحيط يدور حولها، يستنجد بها، يطالبها بتضييق الدائرة أكثر مما هي فتضيق عليه قبل غيره، لتبدأ دورة جديدة من المطالب المتناقضة من نفس الأطراف.

بالأمس دارت عشرات الدوائر في التضييق على الأصوات المعارضة، ومارست الأطراف الأخرى أدواراً لا تخرج عن دورين، إما الصمت أو المزايدة في تنفيذ أشد العقوبات، وبعد أن تبدلت المصالح تبدلت المواقع ومن بعدها كرت المسبحة فصار المعارض موالياً والموالي معارضاً، ولسخافة الوضع وتبلد إحساس المتقلبين وسذاجة المؤيدين، أصبح المرء من هؤلاء يبدل مواقفه كما يبدل ملابسه، فلا تعرف له رأياً ثابتاً في اليوم الواحد، ولا يمكن الاستدلال لِمَ بدل ملابسه!

Ad

كان التاريخ آنذاك يوثق بصعوبة على الورق لأن الرقابة كانت تعمل كحائط صد ضد كل ما هو خارج عن النص، وما يُنشَر في الخارج لا يجده غير قلة من المحظوظين، أما مَن هم في الداخل فلا خيار أمامهم غير نشرة الأخبار وما يقرأ فيها من مقررات مقررة، أما اليوم فكل شيء صار محفوظاً بعدة وسائل وأشكال، ولم يعد لأحداث الماضي الموثقة للمواقف والآراء، أبيضها وأسودها، أية عوائق لأن ترفع للعلن، فيراها كل الناس من أي أحد من الناس.

إنه التطور الذي لم نستفد منه كشعب وقوى وجماعات منظمة في تطوير عقولنا وتوسيع مداركنا لفهم حقيقة واحدة واضحة، وهي أن "التكرار يعلم الشطار"، فهل استفدنا من التحريش بعضنا ضد البعض؟ هل أدركنا قبل فوات الأوان أن مصلحتنا هي مع الجميع لا مع طرف ضد طرف؟ وغالباً ما يكون ذلك الطرف هو المستفيد الأكبر.

مع الأسف الشديد، ليس فيما حصل ويحصل دروس مستفادة، نفس الدوائر ندور فيها بلا كلل أو ملل نخرج منها أكثر إصراراً على تحقيق وهم إزالة الطرف الآخر بمعاونة السلطة، والنتيجة النهاية كل مرة شبيهة بسابقاتها، الكل موجود فوق نفس الأرض، لا أحد يزول ولا يبقى غير الطرف الأقوى متسيداً للمشهد.

أخيراً، ومن الآخر لمن لا يريد أن يفهم، أيها الشعب التمام، احفظ حقك بالدفاع عن حقوق غيرك، والله المستعان.