من المفترض، كما ذكرنا من قبل، أن يكون هناك إجماع وطني على إدانة خلية «إيران - حزب الله»، مثلما حصل بعد جريمة «داعش» في مسجد الصادق، خصوصاً أن الأمور، بعد الحكم النهائي والباتّ، أصبحت واضحة وجليّة، ولم يعد هناك مجال للمواقف الضبابية والمُلتبِسة، أو المواقف السياسية المنحازة طائفياً التي تحاول إثارة غبار التكسب الطائفي الكريه، وتعمل على خلط الأوراق من أجل التغطية على القضية الرئيسة. لم يحصل، مع الأسف، إجماع وطني على إدانة الخلية الإرهابية مع أن الجرائم الشنيعة التي ارتكبها أعضاؤها ليست جرائم عادية تحصل يومياً، بل هي جرائم في منتهى الخطورة، لأنها تتهدد أمننا الوطني ووجودنا جميعاً، وليس فيها مجال البتة لإثارة الشكوك، أو المزايدات الطائفية البائسة، والتكسب الانتخابي الرخيص.

وعلى أية حال، فإن القوانين يجب أن تُحترم من قِبل الجميع بما في ذلك الأجهزة الحكومية التي تتولى عملية تنفيذ الأحكام، كما أن الأحكام القضائية واجبة التنفيذ وإلا تحول وضع البلد إلى فوضى عارمة. أما العقوبات التي تُقررها السلطة القضائية حسب القوانين فهي عقوبات شخصية تخص المجرمين فقط، إذ إنها لا تشمل، بأي حال من الأحوال، ذويهم وأقرباءهم، فهؤلاء جميعاً أبرياء وليسوا محل اتهام كي يقوموا بنفيه. أضف إلى ذلك أن الطائفة التي ينتمي إليها المجرمون ليست محل شبهة، ولا علاقة لها بالجريمة، فمثلما كانت «خلية داعش» التي ارتكبت الجريمة النكراء في مسجد الصادق لا تُمثّل الطائفة السنّية، فإن خلية «إيران- حزب الله» الإرهابية التي دانها القضاء لا تُمثّل الطائفة الشيعية.

Ad

مرة أخرى، الإقليم من حولنا يغلي، وتماسك الجبهة الداخلية وصلابتها هما الضمان، كما ذكرنا غير مرة، لإفشال أية ضغوط خارجية أو مخططات دنيئة تستهدف خلخلة نسيجنا الوطني في ظل وضع دولي غير مستقر، وصراع إقليمي محتدم، وهو الأمر الذي يتطلب إصلاحاً سياسياً وديمقراطياً.

من زاوية أخرى، فإن الظروف الدولية والإقليمية البالغة التعقيد، والفرز الطائفي الكريه في الداخل، يتطلبان اصطفافاً مدنياً ديمقراطياً صريحاً وواضحاً، بحيث يرتفع صوت العناصر والقوى المدنية الديمقراطية والتقدمية بقوة ومن دون مجاملات وحسابات سياسية بائسة وقصيرة المدى مع تيارات الإسلام السياسي، وذلك لأن الصوت المدني-الديمقراطي هو وحده الصوت الوطني الجامع الذي يبرز لتوحيد الشعب وحماية الوطن وقت الصعاب والأزمات الوطنية، وفي المنعطفات التاريخية الحادة.

أما تيارات الإسلام السياسي (سنّة وشيعة) التي تكاثرت، مثلما ذكرنا من قبل، في العقود الأخيرة نتيجة تحالفات سياسية قصيرة النظر ما زالت مستمرة، فلا أمل يرجى منها، حيث إن فاقد الشيء لا يعطيه. وفي واقع الأمر، فإن العناصر والتيارات الطائفية تعتاش على الاستقطابات الطائفية الحادة، وتعمل على سكب مزيد من الزيت على نار التناحر الطائفي البغيض وذلك من أجل التمدد التنظيمي، والتكسب الانتخابي الرخيص الذي يُمكّنها من الوصول إلى سُلطة القرار.