قامت ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر في ظروف محلية وعربية وإقليمية جدير بنا التوقف أمامها، في ذلك الوقت كانت تسود المجتمع المصري العلاقات شبه الإقطاعية والرأسمالية وكان المحتل البريطاني يسيطر على كل مقدرات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية مدعوما بجيش الاحتلال المكون من 80 ألف جندي بريطاني، وكان المشروع القومي لحكومة الوفد الأخيرة قبل الثورة هو مكافحة الحفاء، بل وقاد حزب مصر الفتاة بزعامة أحمد حسين حملة صحافية تحت عنوان "رعاياك يا مولانا" نشر خلالها على صفحات جريدته تحقيقات صحافية مدعمة بصور العراة والحفاة من أبناء الشعب المصري، كان حزب الوفد قد تخلى عن قيادة الحركة الوطنية بعد موقفه في 4 فبراير 1942، أما القوى السياسية الأخرى كالشيوعيين والاشتراكيين والإخوان فكانت تتحرك على الساحة، ولكنها جميعا كانت عاجزة عن التحرك الجدي لإشعال ثورة تستولي بها على النظام السياسي المترنح والمأزوم، حتى جاء حريق القاهرة في 26 يناير 1952 ليضع نقطة النهاية.

الوطن العربي في ذلك الوقت كان قد تفتت إلى دويلات واقعة تحت سيطرة الاستعمار الإنكليزي والفرنسي والأميركي الجديد الداخل إلى المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية وكانت إسرائيل قد تم زرعها عنوة في قلب العالم العربي على أرض فلسطين لتفصل العالم العربي إلى مشرق ومغرب، ولتعمل كقاعدة إمبريالية لحماية مصالح الغرب في أهم منطقة استراتيجية بالنسبة للغرب، حيث إنها مخزون النفط الأول في العالم، وعلى الصعيد العالمي كانت الحرب الباردة مشتعلة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي على مناطق النفوذ وفرض السيطرة.

Ad

يوم 23 يوليو كانت مصر دولة فقيرة متخلفة صناعيا، محصولها الزراعي الأساسي هو القطن الذي كان حكراً على طبقة من الإقطاعيين والمضاربين والأجانب، كانت آخر ميزانية للدولة عام 1952 تظهر عجزاً قدره 39 مليون جنيه، كما أن مخصصات الاستثمار في مشروعات جديدة طبقاً للميزانية، سواء بواسطة الدولة أو القطاع الخاص كانت صفراً، كما أن أرصدة مصر من الجنيه الإسترليني المستحق لها في مقابل كل ما قدمته من سلع وخدمات وطرق مواصلات لخدمة المجهود الحربي للحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية وكانت تبلغ 400 مليون جنيه إسترليني قد تم تبديدها ولم يتبق منها إلا 80 مليون إسترليني.

هذا واقع عاصرته منطقتنا، أتت الثورة وغيرت الواقع، وأيضا غيرت معادلات الحقب التالية. مفهوم تماماً أن تكون هناك تقييمات مختلفة لما حدث بعد الثورة، وطبيعي جداً أن تكون هناك أخطاء عظيمة على مستوى ضخامة التغيير، وأيضاً أن تكون هناك إنجازات كبيرة، غير أن المؤكد في كل الأحوال أن مصر لم تعد ذاتها مصر قبل ثورة يوليو، بل لا أبالغ إذا قلت إن العالم لم يعد ذاته بعدها، بسلبياته وإيجابياته.

هذه بعض أجزاء من الصورة رأيت أنه قد يكون من المفيد للذكرى ولإثراء الحوار التذكير بها لمن يعرف وينسى، ولمن لا يعرف.