ظلّ قرار اختيار الفيلم المصري المشارك في المسابقة الدولية الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي بمثابة «صداع مُزمن» في رأس إدارة المهرجان، ويُعد الأخير واحداً من 15 مهرجاناً مُعترفاً به من الاتحاد العالمي للمنتجين، سواء بسبب عدم وجود الفيلم المصري الذي ينطبق عليه اصطلاح «التمثيل المُشرف»، أو إحجام المنتجين عن المشاركة بأفلامهم طمعاً في إيرادات العروض التجارية، وتجنباً لما يمكن أن يُصيب الفيلم من سمعة سيئة أو وصمة في حال وصفه بأنه «فيلم مهرجانات»!

حدث هذا في فترة زمنية ليست بعيدة، قبل أن تشهد الأزمة انفراجاً مع انطلاق الدورة السادسة والثلاثين (9-18 نوفمبر 2014)، التي ترأسها الناقد الكبير سمير فريد، وفوجئ الجميع، في خطوة غير متوقعة، باختيار فيلم «باب الوداع» للمخرج كريم حفني ليمثل مصر في المسابقة الدولية، في عرض عالمي أول، ثم حدثت المفاجأة الكبرى عندما فاز الفيلم، الذي كان مجهولاً بالنسبة إلى كثيرين، بجائزة الهرم الفضي، لأحسن إسهام فني (ذهبت إلى مدير تصوير الفيلم زكي عارف)!

Ad

بعد دورة «سمير فريد»، حسب ما يُطلق عليها، كان المتوقع أن تُصبح مشكلة الفيلم المصري «في خبر كان»، لكن الأزمة تفاعلت بشكل آخر، في أعقاب اتجاه بعض المخرجين المصريين إلى تفضيل المشاركة بأفلامهم في مهرجان دبي السينمائي الدولي، تنفيذاً لاتفاقات تتعلّق بصناديق الدعم والتمويل، كما حدث مع فيلمي «قبل زحمة الصيف» للمخرج محمد خان، و{نوارة» للمخرجة هالة خليل، أو الهروب من مهرجان فقير (مهرجان القاهرة السينمائي) لا يرصد جوائز مالية من أي نوع، بل إنه وجد نفسه في موقف حرج للغاية، عقب صدور قرار عجيب، وغريب، بإلغاء الجائزة المالية الهزيلة، التي تُقدر بمئة ألف جنيه، والمُقدمة من وزارة الثقافة المصرية لأفضل فيلم عربي!

بُعد آخر لأزمة الفيلم المصري ظهر مع انطلاق الدورة السابعة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي (11 – 20 نوفمبر 2015)، التي ترأستها الناقدة د. ماجدة واصف، وتولى إدارتها الفنية الناقد يوسف شريف رزق الله. في أعقاب اختيار فيلمي «من ضهر راجل» من إخراج كريم السبكي و{الليلة الكبيرة» من إخراج سامح عبد العزيز ليمثلا مصر في المسابقة الرسمية للمهرجان، قامت الدنيا ولم تقعد، بعدما نظر البعض إلى القرار بوصفه «رد اعتبار» إلى منتج الفيلمين أحمد السبكي، و{صفعة» من «آل السبكي» عموماً لأولئك الذين اتهموا العائلة بإشاعة الفسق وخدش الحياء العام، من خلال الأفلام التي أنتجوها، بل ضربة قاصمة لكل من شارك في تدشين حملات مقاطعة لأفلامهم!

المثير أن ما جرى في الدورة 37 تكرّر، بحذافيره، في الدورة الثامنة والثلاثين (15 – 24 نوفمبر 2016)، التي شهدت اختيار «يوم للستات» من إخراج كاملة أبو ذكري ليكون فيلم افتتاح الدورة، ويمثل مصر في المسابقة الرسمية، بالإضافة إلى «البر التاني» إخراج علي إدريس، بل يمكن القول إنها المرة الأولى – والوحيدة في تاريخ المهرجان العريق – التي تصدر فيها إدارته بياناً رسمياً تبرر من خلاله السبب وراء اختيارها فيلماً ما، ضمن تظاهراتها، وترد على حملات الهجوم الشرس التي استهدفتها، كما فعلت عندما أكدت «حق المدير الفني في استبعاد فيلم اختارته اللجنة أو اختيار فيلم من دون العرض على لجنة المشاهدة، كونه حقاً مكفولاً ومنطقياً باعتباره صاحب فلسفة برامج العروض في المهرجان». ونفى البيان، في نقطة لها دلالتها وأهميتها، وجود شبهة مجاملة أو مصالح متبادلة بين إدارة المهرجان وبين الشركة المالكة لحقوق ترويج «البر التاني» إعلامياً، وأكد هذا الأمر بقوله: «مشاركة الشركة المالكة للحقوق الإعلامية بأكثر من فيلم أمر يُحسب لها لا عليها (..) ومن غير المنطقي أن يفرض أي مهرجان حداً أقصى للتعاون مع موزع، ما دام امتلك الأخير أفلاماً مميزة ومناسبة لبرامج المهرجان وفلسفته». واختتم البيان: «أما ما يثيره البعض حول الفيلم المصري فهو اتهامات لا يحق لأحد قانوناً أن يوجهها من دون امتلاك دليل مادي، وإدارة المهرجان تحتفظ بحقها في الرد قانوناً على هذه الاتهامات ومن يروّجها!».

بهذا المعنى تحوّلت أزمة الفيلم المصري في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي إلى مشكلة مستعصية على الفهم، وربما الحل، ما يُنذر بعاصفة أخرى محتملة، في حال تأكّدت مشاركة «الكنز» من إخراج شريف عرفة في المسابقة الرسمية للدورة التاسعة والثلاثين (21 – 30 نوفمبر 2017)، إذ إن عرض الفيلم في حفلة الافتتاح، بالإضافة إلى المسابقة الرسمية، مثلما حدث مع «يوم للستات»، بدا وكأنه عنصر غواية تمارسه إدارة المهرجان، لإقناع المنتج والمخرج، بالموافقة على الحضور في المهرجان، فضلاً عن أن مشاركة محمد رمضان ومحمد سعد في البطولة لن تمرّ بسهولة، وستفتح أبواب الجحيم على إدارة المهرجان، التي لن يشفع لها وجود المخرج شريف عرفة والكاتب عبد الرحيم كمال على رأس تجربة «الكنز»، إذ لن يغفر البعض للفيلم، وللمهرجان، أن «رمضان» ما زال يمثل، في نظر البعض، رمزاً للبلطجة فيما يتحمّل «سعد» مسؤولية تردي الذوق العام!