في بداية أبريل الماضي، اتصل بي الصديقان مفلح العدوان وجعفر العقيلي، ليخبراني عن عزمهما الإعلان عن إطلاق "مختبر السرديات الأردني"، بمشاركة كوكبة من الكُتاب والمثقفين الأردنيين، وطلبا مني الحضور للمشاركة في حفل افتتاح المختبر، ومثمناً دعوتهما الكريمة وافقت، وقد غمرني فرح المناسبة، لكني اعتذرت وقتها، بسبب ظرف صحي صعب كنتُ أمرُّ به.

يومها أرسلت لهم كلمة جاء فيها: "مؤكد أن ميلاد مختبر للسرديات يشكِّل بؤرة ضوء باهر نستبشر خيراً كثيراً فيه. لذا يتصدى زملاء أفاضل معنيون بالإبداع والكتابة والوصل البشري لتأسيس مختبر للسرديات في الأردن، وهذا مثار فرح وخطوة كبيرة لفتح كوة نور في جدار الظلمة. فليس بغائب عن فكر هؤلاء الزملاء المؤسسين أن مختبراً للسرديات في وطننا العربي لن يكون في أي حال من الأحوال ملك صحبه وأهله، بل هو دار لكل مبدع عربي، وهو فضاء مفتوح لكل قصة أو رواية، فضاء يحتضن الجديد، مستنداً إلى خبرة سابقة وراسخة. مختبر للسرديات في الأردن، حلمٌ يتشيّأ ملوّناً على لوحة الواقع أمام أصحابه، وإضافة مهمة وكبيرة للمشهد الإبداعي والثقافي العربي، وهو بقدر ما يخص جميع أدباء وفناني الأردن، بقدر ما يخصنا أجمع في طول وعرض وطننا العربي".

Ad

أعلن افتتاح المختبر، وظلت دعوة الأصدقاء قائمة، ولحين تشرفي بتلبيتها الخميس الفائت (13 يوليو). احتضن نادي الأردن اللقاء في ساحة مفتوحة على سماء عمّان ونسمة هواء لطيفة معطَّرة بالياسمين. أفرح قلبي لقاء عدد كبير من الأصدقاء الكُتاب والنقاد والشعراء والصحافيين والمثقفين، وخاصة أولئك الذين قضوا سنوات طويلة من أعمارهم في العمل الثقافي والصحافي في الكويت، ومن بينهم: وليد أبوبكر ومحمود الريماوي وتيسير نظمي.

شرفت بأن يدشّن مختبر السرديات أنشطته، ضمن برنامجه "سيرة سارد" بلقاء يدور حول سيرتي كقاص وروائي، وبمشاركة الدكتور الناقد فيصل درّاج، الذي قدّم دراسة نقدية عن روايتي الأخيرة (النجدي)، والكاتب والناشر إلياس فركوح، الذي قدَّم شهادة بعنوان "معاينة شخصية"، وأدار اللقاء القاص والمسرحي رئيس المختبر الصديق مفلح العدوان.

ربما بسبب حضور أصدقاء من شتى أقطار وطننا العربي، وربما لطبيعة الحوار الذي تبع المحاضرة، وتطرق إلى المدينة العربية، وهمّ الإنسان العربي، فقد تأكد لدي، كما دائماً، ألا شيء عاد قادراً على جمع العربي مع أخيه العربي كما هو الإبداع والأدب والثقافة.

للإبداع سحره الذي يُنسي الإنسان همّه الشخصي ووجعه، ويمكّنه من الاندماج بنبض اللحظة، لذا جاءت الكويت بمجتمعها البسيط قبل اكتشاف وتصدير البترول، وجاء البحر، وبطل رواية "النجدي" النوخذة علي النجدي، جاؤوا ليكونوا المحور الأساسي لمجمل الأسئلة والمناقشات. وجاءت المدنية محمولة على سؤال إشكالية الهوية الوطنية، لتكون الحاضر الأهم في المناقشات.

دافئة وكريمة كانت حفاوة الأصدقاء في مختبر السرديات الأردني، وكما قالها الصديق مفلح العدوان أثناء التقديم: "احتفاؤنا بشيء من إبداع طالب الرفاعي، هو احتفاء بعموم الإبداع والأدب الكويتي". لذا، فإن مبعث سعادتي في تلك الليلة، هو حضور أسماء مبدعة كويتية كثيرة أثناء النقاش، وكذلك الإشارات الجلية للدور الثقافي المهم الذي لعبته الكويت منذ صدور مجلة "العربي" عام 1958، مرورا بجميع الإصدارات الكويتية، كسلسلة "من المسرح العالمي"، و"عالم المعرفة"، والتي وصلت لكل قارئ عربي. وأخيراً الوقوف أمام الدور الإنساني الذي ينهض به المبدع في تقديمه شيئا من خصوصية بلده عبر القصة والرواية والقصيدة.

ضمن شقاء وحروب اللحظة العربية الراهنة، تأتي اللقاءات العربية الإبداعية والثقافية، لتكون بمنزلة الكوّة المضيئة في حائط الوجع العربي المظلم، كوة أمل بقدرة الإبداع على فعل ما يعجز عنه أي عمل آخر.

تحية جديدة من القلب لمختبر السرديات الأردني.