لاحظ بعض موظفي القطاع النفطي بالشركات الحكومية التابعة للمؤسسة من المهتمين بتطوير التدريب المهني القياسي استعمال المؤسسة أداة غير معهودة في آليات تدريبها، وهي التدريب القائم على الكمبيوتر (computer based training CBT) سي بي تي. حيث شرعت المؤسسة في تطبيقه على ما يبدو كمتطلب قياسي للموظفين بالشركات في برنامجها لأخلاق ومثل العمل، الذي يهدف إلى التثقيف بمدى أهمية التزام الموظفين بالقوانين والأنظمة ذات الصلة وسياسات الشركة، وفهم دور الموظف في حماية سمعة الشركة، وتحقيق الوعي للحالات التي قد تترجم على أنها مخالفة لنظم العمل المهني، وخلق جو من الأريحية لعرض التساؤلات المتعلقة بالالتزام، وما إلى ذلك مما يعزز الانتماء المؤسسي للموظفين.

تباينت الآراء وردود الأفعال بشأن المحتوى وآلية التطبيق بين مستبشر ومتشائم، فمن جهة كان المستبشرون باستحداث هذا النوع من التدريب للموظفين يأملون استمراره وتغطيته جميع النظم العملية التي يتطلب العمل المؤسسي الراقي توحيد المعرفة بها كحد أدنى لدى القياديين وباقي الموظفين على مختلف المستويات مثل سياسات العمل والأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى والسنوية المراد تحقيقها، وما إلى ذلك من النظم الإدارية والقانونية على سبيل المثال لا الحصر.

Ad

وأورد هؤلاء من نقدهم البناء عدم التزام المحتوى الأول للقوانين والنظم المتعلقة وذات الصلة بالقانون الكويتي ونظم مؤسسية كويتية واستبدالها برؤوس أقلام من الممارسات الأوروبية والمتعلقة بمحتوى العمل في نظام الدول الأوربية والنظام البريطاني تماشيا مع مصدر التدريب، عوضا عن حاجة الشرائح المستهدفة من التدريب ونطاقات الاستفادة. وقد يستدرك البعض من أصحاب هذا الانتقاد أنها أمور يمكن تلافيها والعمل عليها بسهولة في النسخ القادمة والمراجعات لهذا المحتوى، في حال كان هذا البرنامج مشروعا اختباريا يطور بعد أن يثبت نجاحه وتثبت إمكانية تطبيقه والاستفادة منه.

عدم جدية المؤسسة

ومن جهة أخرى، كانت الآراء الأكثر تشاؤما تستقرئ في هذا الابتعاد عن القوانين الكويتية عدم جدية المؤسسة في الاعتراف بثقافة التزام أخلاق ومثل العمل فعلياً، وخصوصا لركاكة نوع العرض غير المحترف الذي يراه البعض انه لا يرقى للشريحة العمرية للمتلقين فضلا عن مستوياتهم العلمية والمهنية، فطريقة حوارات القصص المصورة ليست الأنسب ولا يمكن أن يستعملها الموظفون لطرح أفكارهم بالشركات النفطية، بل إن النظام القائم يتطلب أن يكون المحتوى تنفيذيا احترافيا بصورة نقاط مباشرة مع أمثلة ذات صلة في حال الحاجة فقط للرجوع إليها.

ومن المآخذ الأخرى التي قدمها أصحاب هذا الرأي، تعويم مستويات النظم ووجوب تطبيقها بعدم تبيان تدرجها ودون تمايز هيكلي، وكأن الرسالة تتطلب من المتلقي أن يلتزم جميع التعليمات الواردة اليه التزامه باللوائح والنظم والقانون على حد سواء. وذلك لا ينطبق مهنيا إذ ليس لمسؤول طاعة في أية تعليمات غير جائزة بل يتدرج الالتزام بتدرج مستوى النظام، فلا تعليمات تخالف سياسة، ولا سياسة تخالف نظما ولوائح معلنة ومعلومة، والتي بدورها لا يجوز أن تصك بما يخالف القوانين في الدولة مع جواز التبديل بين أهمية اللوائح والسياسات الداخلية في مؤسسة ما بتعديل أي منهما أو كل منهما معاً.

ويحيد بعض الموظفين عن مناقشة المحتوى للمادة التدريبية بعد طرح هذه الآراء إلى استقراء الواقع مع رفض الخوض في تقييم جودة هذا المحتوى للمادة التدريبية، مع تأكيد ضرورة تقييم التطبيق للمادة العلمية والأخلاقية. فهذه الشريحة ممن التزمت تعليمات المؤسسة بخصوص الالتزام بالمشاركة بهذا التدريب المبني على الكمبيوتر والذي عبروا عنه بأنه مألوف لديهم من خبرات سابقة بعبارة أن "الأهم هو الالتزام بالمحتوى والنتائج والتطبيق"، في إشارة إلى الأحكام القضائية التي توالت لمصلحة العمال بشأن القضايا المرفوعة ضد المؤسسة وبعض شركاتها وبالأخص فيما يتعلق بالقرارات التي سبقت الإضراب من العام المنصرم، معبرين عن استنكارهم المماطلة في العدول عن التعليمات المخالفة للأحكام القضائية، إذ إن القضاء الكويتي قال كلمته في هذه الإشكالات، وإنه من غير المقبول أن يستمروا في تعنتهم بعد أن زالت الشبهات التي أشكلت عليهم سابقا أو ظنوا أنها شرعت لهم وإن كان قد وجد لهم من ينسج الوهم بصياغة قانونية تبدو بصورة استشارات أو ما إلى ذلك، فالأولى أن تتخذ بهم الإجراءات المناسبة.

وهنا تظهر بعض التساؤلات المستحقة منها: هل تلتزم مؤسسة البترول الكويتية بتطبيق أخلاقيات ومثل العمل في عالم الواقع العملي فتسارع بتنفيذ الأحكام القانونية مما يعود بالنفع على العاملين وسمعة المؤسسة وشراكتها التابعة من بعد سمعة العمل المؤسسي بالدولة، أم أنها تكتفي فقط بنقله من عالم الفصول التفاعلية والنظم المكتوبة على الورق إلى العالم الافتراضي لتفقد قيمتها وتهمل كما أهملت الكثير من قيم المجتمع الكويتي وتقهقرت عن الأجيال التي لم تعايشها إلا من خلال العالم الافتراضي؟

وهل سيتحمل أصحاب القرار تبعات قراراتهم، أم أن اللوم سيلقى على مستشاريهم من المراكز القانونية، أم أن الكيان القانوني وإداراته سيتعرض لردود أفعال لا تتوافق في نهجها ولا نتائجها مع الهدف من التدريب الذي اختير كلبنة أولى في نظام التدريب المبني على الكمبيوتر للبرامج المشتركة لمؤسسة البترول الكويتية وشركاتها؟