كان إقدام إسرائيل على التحويل غير الشرعي لمياه نهر الأردن سبباً رئيسياً في توتير الأوضاع السياسية التي انتهت، قبل خمسين عاماً، بشن إسرائيل عدوان يونيو على مصر وسورية والأردن، واحتلالها ما تبقى من أراضي فلسطين، الضفة الغربية وقطاع غزة... معظم الأجيال الشابة لا تعرف ذلك، ولا تتذكره بالطبع.

وما يتجاهله العالم، أن إقدام إسرائيل على تحويل مياه نهر الأردن خفض كمية المياه المتدفقة نحو البحر الميت، وأحد أهم مواقع التراث الطبيعي العالمي، من 1400 مليون متر مكعب سنوياً إلى أقل من 30 مليون متر مكعب، حيث حولت إسرائيل 500 مليون متر مكعب من مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب لخدمة تطوير مستعمراتها هناك، وحولت ملايين أخرى لتلبية احتياجاتها الإضافية، دون مراعاة احتياجات الآخرين.

Ad

وبذلك اعتدت إسرائيل على الحقوق المائية للأردن والفلسطينيين وسورية، وخلقت مشكلة جفاف البحر الميت وخطورة زواله، الأمر الذي استُخدِم مبرراً لطرح مشروع إنشاء قناة البحرين.

الأمر الأهم أن حقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية من مياه نهر الأردن، وحسب الاتفاقيات الدولية، تصل إلى 250 مليون متر مكعب تأخذها إسرائيل بالكامل.

أما الأمر الأكثر أهمية، فهو أن المصادر المائية في الضفة الغربية تعادل ألف مليون متر مكعب سنوياً، من مياه نهر الأردن والمياه الجوفية التي تتغذى بمياه الأمطار، وهذه الكمية حسب المصادر المختصة تكفي احتياجات الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لخمسين عاماً بمعدل استهلاك يصل إلى 170 لتراً من المياه للفرد سنوياً.

أما الواقع فهو أن إسرائيل، بقوة الاحتلال العسكرية، تستولي على 87 في المئة من مصادر المياه الفلسطينية في الأراضي المحتلة، يخصص جزء كبير منها للمستوطنات غير الشرعية، ويضطر الفلسطينيون إلى شراء جزء كبير من مياههم المستولى عليها من إسرائيل، وبسعر يصل إلى معظم المستهلكين، بضعف ما يدفعه الإسرائيلي في المعدل.

وبكلمات أخرى، فإن إسرائيل تستولي على 87 في المئة من مياهنا النقية العذبة والطبيعية، أي حوالي 870 مليون متر مكعب سنوياً، وتريد الآن بيعنا 32 مليون متر مكعب من مياه البحر المزالة ملوحتها صناعياً، بسعر باهظ، حسب اتفاقية قناة البحرين. وبعض الناس، ويا للغرابة، يرون في ذلك إنجازاً.

بسبب إنهاك المستوطنات الإسرائيلية للحوض المائي في قطاع غزة قبل أن ترحل، وبسبب السدود التي بُنِيت لاحتجاز مياه الأمطار الهاطلة على جبال الخليل، ومنعها من الوصول إلى أحواض قطاع غزة، أصبحت 97 في المئة من مياه غزة مالحة، وسبب انهيار منظومة المجاري تلوث معظمها.

أما في الضفة الغربية، فلا يسمح للفلسطيني باستخدام أكثر من 50 متراً مكعباً من المياه سنوياً، في حين يسمح للمستوطن غير الشرعي باستهلاك ما يصل إلى 2400 متر مكعب سنوياً، أي ثمانية وأربعين ضعفاً لما يستهلكه الفلسطيني، وذلك من معالم نظام التمييز العنصري الذي أقامه الاحتلال.

ولهذا تعاني قرى وبلدات عديدة انقطاعاً متكرراً للمياه في أيام الصيف الحارة، وبعضها تنقطع المياه عنه شهرين أو أكثر، وحتى في مدينة رام الله لا تصل المياه إلى معظم البيوت أكثر من مرة أو مرتين أسبوعياً.

بدون إنهاء الاحتلال، وحصول الفلسطينيين على حقوقهم الإنسانية والمائية، لا قناة البحرين، ولا غيرها من مشاريع التنمية الوهمية ستنفعهم أو تلبي حاجاتهم الإستراتيجية.

حاول نتنياهو خداع العالم بعد عملية القدس الأخيرة بادعاء أنه لن يغير الواقع في المسجد الأقصى، ولكنه غيره فعلاً منذ سنوات، ولهذا يحرم 90 في المئة من الفلسطينيين من حق الوصول إليه والصلاة فيه، وهو سيواصل تغيير الواقع في القدس والأقصى، وبكل ما يتعلق بمصادر المياه، مادام المجتمع الدولي يحاول التكيف مع سياساته العدوانية بدلاً من التصدي لها.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية