يبدو أن هناك إصراراً دولياً على إعادة إحياء الوساطة الكويتية في الأزمة الخليجية، حيث تجاوزت التصريحات الرسمية في العديد من العواصم المهمة في العالم، ولاسيما في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، إضافة إلى روسيا، مرحلة دعم وتأييد المبادرة الكويتية إلى التحرك الدبلوماسي والميداني المتمثل في زيارة وزير الخارجية البريطاني للكويت، ويعقب ذلك وصول وزير الخارجية الأميركي للغرض ذاته.

من المؤشرات الإيجابية على بقاء الدور الكويتي أيضاً إشادة أطراف الأزمة، وبالإجماع، بالمبادرة الكويتية، حتى بعد صدور بيان الدول الأربع في القاهرة، والذي جاء بدوره خالياً من أية إجراءات تصعيدية إضافية.

Ad

نجاح الوساطة الكويتية حتى الآن تمثّل في دبلوماسية احتواء الأزمة وتجنب بلوغها نقطة اللاعودة، وهذا بحد ذاته عامل آخر في إمكانية تطور الوساطة إلى مراحل متقدمة أخرى.

إن جميع الأطراف في مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى حلفائهم الإقليميين وشركائهم الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، يدركون تماماً أن استمرار الأزمة من شأنه أن يعيد تشكيل خريطة التوازنات السياسية في المنطقة، ودخول قوى إقليمية ودولية منافسة في أية معادلة جديدة، خصوصاً لما تتمتع به دولة قطر من مزايا اقتصادية واستراتيجية مهمة رغم صغر حجمها الجغرافي والبشري، فهي في مقدمة الدول الغنية في العالم وتمتلك أكبر مخزون للغاز الطبيعي في المنطقة دون أية التزامات مالية باهظة في الخارج. من جهة أخرى، وعلى الرغم من استمرار بؤر التوتر والصراع، يبدو أن القوى الإقليمية والعالمية الرئيسية قد أرهقتها التكلفة السياسية والاقتصادية لأزمات المنطقة وفواتيرها الأمنية، وباتت تفكر في حلول وسط وفق معادلة "لا غالب ولا مغلوب" للخروج منها، وخير مثال على ذلك الاتفاق الأخير بين موسكو وواشنطن على وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية أملاً في وقف العنف نهائياً في هذا البلد.

تحرير الموصل من "داعش" يحمل أيضاً دلالات إضافية لولادة مرحلة جديدة لعلها تكون أقل عنفاً وأكثر توجهاً نحو المشاريع السياسية، وكذلك الحال بالنسبة إلى تحرير مدينة بنغازي الاستراتيجية في ليبيا من العصابات الإرهابية.

الوضع الإقليمي لا يتحمل المزيد من الأزمات، وخصوصاً في إقليم حيوي وحساس كالخليج العربي، لاسيما أن معظم الدول الخليجية قد أعلنت عن مشاريع اقتصادية وتنموية ضخمة جداً يسيل لها لعاب الدول العظمى كالولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين.

هذه المعطيات كفيلة وجديرة بإعطاء المبادرة الكويتية فرصة جديدة وقوية، لا لاحتواء الأزمة الخليجية فقط بل تغيير أجندتها نحو المبادرات الكبرى في المنطقة وتحويلها إلى نواة لحلحلة بقية أزمات المنطقة العربية بما يخدم الاستقرار والأمن لشعوبها التي ذاقت الأهوال والمصائب قرابة عقد من الزمن!