الحديث حول المخدرات متعدد الأبعاد، ويطول تبعاً لطبيعة هذه المشكلة ومظاهرها ونتائجها الكارثية على الفرد والمجتمع والدولة، كما أن الكلام بشأن المخدرات مقيّد بمجموعة من المحظورات والخطوط الحمراء كون هذه المشكلة بحد ذاتها قد تعد نقيصة ووصمة عار، وقد يعكس طرح أسرارها حرجاً مجتمعياً، بالإضافة إلى ذلك فإن ضحايا المخدرات هم من أبناء مجتمع صغير ومحافظ، فيجب أن تراعى في هذا الشأن الخصوصية والسمعة الشخصية، وأخيراً فإن معظم ما يتداول حول المخدرات تنقصه البيانات والإحصاءات الدقيقة بما فيها المعلومات السرية.

أمام هذه القيود الاجتماعية والفنية تطور الجانب الإجرامي في قضايا المخدرات ليجرف أعداداً متزايدة من الضحايا، خصوصا في صفوف الشباب، وتنوعت المواد المخدرة التي شملت العشرات من أنواع السموم التقليدية والجديدة، واختلفت تأثيرات المخدرات لتتوزع بين الإدمان وانتقال الأمراض المعدية والموت بجرعات زائدة، وأخيراً الأمراض العقلية التي تنتهي بالجنون وتلف خلايا المخ بالكامل.

Ad

التصدي للمخدرات يتطلب في المقابل جهوداً مشتركة ليس على صعيد المؤسسات الرسمية، بل بالتنسيق بينها وبين مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات المتصدية لمكافحة هذه الآفة عبر إمكاناتهم الذاتية والخاصة، إلا أن مؤشرات التصدي للمخدرات لا تحمل مع الأسف الشديد علامات جادة على نجاح جهود المكافحة بالشكل المطلوب، والنتيجة هي استمرار انتشار التعاطي بكل أشكاله وممارساته في النسيج الوطني ككل.

بعيداً عن المجاملات، وانطلاقاً من مبدأ أو شعار الحرب على المخدرات، يجب أن نعترف بأن ضحايا المخدرات أصبحوا من طلبة المدارس بما في ذلك المرحلة المتوسطة، كما أنها شملت منتسبي الأجهزة والمؤسسات الأمنية نفسها، بالإضافة إلى العاملين في قطاع الصحة والمؤسسات العلاجية ذاتها، والأكثر خطورة فإن عصابات ترويج المخدرات وتجارها تظهر وتنشط في هذه الأجهزة التربوية والأمنية والصحية نفسها!

دخول المخدرات عبر الحدود البحرية والبرية، بدليل الإعلان عن بعض حملات كشف وضبط أعداد مهولة من المواد المخدرة، يضع علامات استفهام على مدى متانة وسلامة الحدود ودرجة الائتمان على القائمين على حراستها! كما أن عدم تنفيذ الأحكام القضائية وخصوصاً الإعدام بحق المدانين في هذه الجريمة، وتفشي السموم داخل السجون والمؤسسات العقابية، يضيفان المزيد من علامات التعجب حول نقاط الضعف، والاختراقات الأمنية في مواجهة هذه الآلة المدمرة.

أخيراً فإن حجم التعاطي المحلي ومستواه يدعوان إلى صدمة كبيرة، حيث يشمل هذا التعاطي الفئات العمرية دون العاشرة بالإضافة إلى الفئة العمرية فوق السبعين عاماً، وإن كانت الشريحة الكبرى هي من الشباب من 18 إلى 30 سنة! وما يضاعف هذه الصدمة أن أعداد المتعاطين في الكويت يتجاوز 70 ألف شخص غالبيتهم الساحقة من المواطنين! وهذا الرقم من شأنه أن يزعزع الأمن الاجتماعي والسياسي في بلد صغير يبلغ إجمالي مواطنيه مليون نسمة.

هذه المقارنات السريعة والموجزة توحي قطعاً بأن الحرب على المخدرات تصب نتائجها إلى الآن في مصلحة جبهة الشر، وهذا بحد ذاته يثير استنتاجاً خطيراً بأن منظومة جريمة المخدرات قد تكون أكثر نفوذاً وتأثيراً من الحكومة نفسها، وهو نذير شؤم وناقوس خطر جسيم يهدد البلد بما فيه!